[21] القاضي الخطيب شهاب الدين، أحمد بن
  رذاذ وطلّ، وأبهى في العيون من حديقة سفك فيها الربيع دم الشقيق وطلّ، ألفها من شمائله أسكر من الحميّا، وأعطر من ندى الورد ريّا، وأما مفاكهته فأعذب من حديث الأخوان، وألذّ من نغمات الأوتار في مسامع النشوان، الماجد الذي يبلغ عن المحامد غاية الإرادة، والسيد الذي لما وقف على تأليف هذا قلت: هكذا فلتكن السيادة، وعلى الجملة فإن من أطرى في مدحه، وأتعب في وصفه، طير ثناءه بصدحه كمن قال للبدر ما أبهاك، ولشهد النحل ما أشهاك، وللمسك ما أعطرك، وللروض المونق ما أنضرك، فما جهد المادح وهو أنا إذا لم يدرك بمدحه إنصاف ذي المرتبة العظمى، وما جهد الناثر وهو أنا إذا لم يرق المقام حقه بنثره، حتى قالت بعد ذلك نظما:
  أكرم بما أهدت النسيم لنا ... من خبر قد أهاج لي شجنا
  قد هزّ عطفي الذي روت فإذا ... رأيت ما قلت خلتني غصنا
  كأنني غصن بانة خضل ... تتيح ريح الصبا هنا وهنا
  إن قيل هذا النسيم قد نعشت ... ميتا بما قد روته فهو أنا
  كم فقر قد حوت يعود بها الفق ... ير بالدر في أتمّ غنى
  لو عوّض الجيد عمّا في قلائده ... بها لما قيل قط قد غبنا
  قد أحرمت عين كل ذي حسد ... إذ أشرقت بهجة لنا وسنا
  ما الروض قد أرقصت حمائمه ... منه بترديد سجعها فننا
  ما الورد في الخد شاق عاشقه ... له من الدمع عارضا هتنا
  ما غادة أسفرت فعاد بها ... ذو العقل بعد الرقاء مرتهنا
  تطعن من قدّها ويحسر من ... ها الأنف في كل حاله بقنا
  أصبح بين الورى مؤلفها ... بكل ما قيل في الثنا قمنا
  ثنى عناني إلى جواهرها ... فقلت في مدحه أجلّ ثنا
  حتى على حاسديه قد نثرت ... أغصان أقلامه الدجنا
  يا يوسف العصر منه صرت على ... خزائن المعجبات مؤتمنا
  قلدت أعناقنا جواهرها ... فضلا وأوسعت وغدنا مننا
  وجئت في آخر الزمان بما ... أعجز إدراك شأوه القرنا
  قد وعز الآن وجه حاسده ... ما جمعت إذ نال شدّة وعنا
  لا زلت تأتي بكل معجزة ... للغير إذ حزت دونه اللسنا