[23] القاضي العلامة شمس الدين أبو محمد، أحمد
  ثم وصلت إلى منزلي فصدّرت البيتين الأولين وعجزتهما ونقلت ذلك إلى الموعظة فقلت:
  (ولم أدخل الحمّام من أجل لذّة) ... وكيف التذاذي بالنيار اللوافح
  ولا جئته أبغي اصطلاء بناره ... (وكيف ونار الشوق بين جوانحي)
  (ولكنه لم يكفني فيض مقلتي) ... على ماضيات من ذنوبي فواضح
  ولما رأيت العين لم يكف وبلها ... (دخلت لأبكي من جميع جوارحي)
  وليس خضاب ما بكفي وإنما ... مسحت به دمع العيون السوافح
  قلت: أجاد بهذا يستدل على فضله في الشعر وتصرّفه.
  وكان لما كتب إليّ نسبه المذكور كتب بعده من شعره بعد أن ذكر ما مضى من أيامه:
  مضت وتقضّت مثل أحلام نائم ... ولم أكتسب دارا بها لي باقيا
  وجاوزت من بعد الأشد ثمانيا ... وست سنين أطعمتني الدواهيا
  فيا ربّ توفيقا أنلني لعلّني ... أنال به منك الرضى والأمانيا
  وكن غافرا قبل الممات لزلّتي ... وكن لذنوبي بالتفضل ماحيا
  أنا العبد عبد السوء لست بجاحد ... أطعت هوى نفسي وما زلت عاصيا
  وقصّرت في شكري لنعماك شاكرا ... بجهلي وعمّا يوجب الفوز لاهيا
  عصيت على علم فماذا أقوله ... إذا أنا في حشري أجيب المناديا
  فقال لي الرحمن ﷻ ... وقد خدّ دمعي في خدودي مجاريا
  علمت ولم تعمل وجاهرتني بما ... أتيت وجانبت الصواب تجاريا
  هنالك لا يجدي التأسّف والبكا ... ولا عذر لي إن قلته كان واقيا
  سوى إنني أرجوه يعفو تفضلا ... وما خاب من للّه قد كان راجيا
  وبالخمسة الأشباح أطلب عفوه ... ومغفرة منه تغطي المخازيا
  هموا شفعائي يوم حشري وفاقتي ... وودّهم ذخر ليوم التناديا
  وله أشعار لا تحصى في كل فن.
  وكان بينه وبين القاضي الأديب شاعر اليمن الحسن بن علي بن جابر الهبل(١) كمال الاتصال والوداد والمشاعرة، وهو الذي جمع فرائده ونظّم قلائده
(١) ترجمه المؤلف برقم ٤٦.