[23] القاضي العلامة شمس الدين أبو محمد، أحمد
  بعد مماته وسمّاه قلائد الجواهر من شعر الحسن بن علي بن جابر، سمة طابقت المسمّى، ولؤلؤ لو اكتحل به لعاد بصيرا، ولو كان المعرّي الأعمى، ورتّبه على الأنواع، وأشفق على ذلك النفيس من الضياع، وما زالت له كالشمس همّة، ولولا هي ما برح الأدب في ظلمة، وكتبه على كثرتها ليس فيها كتاب إلّا وخطّه على أكثر ورقه أما ينبّه على شيء أو يستدرك بحيث يعجز الرائي ويستدل على فضله وسعة صدره مع اشتغاله بالمناصب، وبيني وبينه مكاتبة بالشعر، فمما كتبته إليه مع إرسال شيء من ورقات هذا المؤلّف طلبها:
  وأبيك إن الظاعنات أصيلا ... قدّمن قلب محبّهن دليلا
  ولو استفقت وقد سفرت عشيّة ... لرأيت وجدي كالوجوه جميلا
  هنّ اللحاظ الماضيات وإنّما ... بالسحر تبصر حدّهن كليلا
  وإليك عن حزوى فإنك واهم ... إن رمت من حزوى تبلّ غليلا
  قد منّعوا تلك الشموس فدونها ... أن تبلغ العيّوق والإكليلا
  ولقد عهدت بها وما طال المدى ... كلّا ولكن للشعوب ظليلا
  وأوانسا جعل الجمال ثغورها ... ونحورها صبحا له وأصيلا
  من كل جائرة ولين عطفها ... منه استفاد العامل التعديلا
  تشكو خلاخلها الثراء وتشتكي ... ما ضمنت فيك النطاق محولا
  يا ظبية الوادي التي من دونها ... أسد يريني بالرماح الغيلا
  هل عائد لي ما عهدت على الحمى ... فأرى الحديث من القديم بديلا؟
  عصر تولّى كالمدام مذاقه ... عذب وثنى بالخمار وبيلا
  أيام لي عند الصباح مكانه ... ودجى شبابي يبلغ المأمولا
  حتى اعتلى صبح المشيب وأبصرت ... ليلي عليّ الأبيض المصقولا
  وبودّها أن لا تراه وإنّها ... لاقت سواه من العداة رعيلا
  ونعم أعاد تذكري عهد الحمى ... برق تخال من البعاد عليلا
  سقى الحمى غيث الجفون وجاده ... طلّ يبلّ من الرسوم طلولا
  أأعيره نفسي وأمنع سفحه ... دمعا كثيرا في الوفاء قليلا؟
  وحمامة سجعت على فنن اللوى ... سحرا فهاجت بالحنين هديلا
  شجوان لي هاجا وأتعب منهما ... أن لست أفقد واشيا وعذولا
  جارا عليّ وإنما حكم الهوى ... حتى اغتدى قدر العزيز ذليلا