[26] الفقيه، أحمد بن محمد الحجازي الأصل،
  دعي عدّ الذّنوب إذا التقينا ... تعالي لا أعدّ ولا تعدّي
  فأقسم لو هممت بمدّ شعري ... إلى نار الجحيم لقلت مدّي(١)
  وجرى يوما ذكر الخلفاء بمحضرها فقالت: ناكني منهم ثمانية لم أشتهي منهم واحدا إلّا المعتز فإنه كان يشبه أبا عيسى بن الرشيد، وكانت تحب أبا عيسى(٢).
  وحدّث أحمد بن حمدون النديم عن أبيه قال: كنت مع المأمون ببلاد الروم فاستدعاني ليلة بعد العشاء الآخرة، في ليلة ظلماء ذات رعود وبروق، فقال لي:
  اركب فرس النوبة وصر إلى عسكر أبي إسحاق - يعني المعتصم - فابلغه كيت وكيت، فركبت ولم تثبت معي شمعة لقوّة الريح، وسمعت في طريقي وقع حافر، فرهبت ذلك وجعلت أتوقّاه إلى أن قرب، وبرقت بارقة فأضاءت وجه الراكب فإذا عريب، فقلت: عريب؟ فقالت: ابن حمدون! فقلت: لها من أين أقبلت في مثل هذا الوقت؟ قالت: من عند محمد بن حامد، قلت: وما تصنعين به في مثل هذا الحال؟ فقالت: يا كبيش(٣)، عريب تجيء في مثل هذا الوقت خارجة من مضرب الخليفة عائدة إليه، تقول أي شيء عملت عنده؟، صلّيت التراويح(٤) وقرأت عليه أحزابا من القرآن أو دراسته الفقه، يا أحمق، تحادثنا وتعاتبنا واصطلحنا ولعبنا وشربنا وتنايكنا فأخجلتني وغاضتني وتركتها، وعزمت أن أخبر المأمون، فأدّيت الرسالة وعدت إليه، فهممت أن أخبره واللّه ثم هبته وقلت: أعرض له قبل ذلك بشيء من الشعر، فأنشدته:
  ألا حيّ أطلالا لواسعة الحبل ... ألوف تساوي صالح القول بالرّذل(٥)
  فلو أن من أمسى بجانب تلعة ... إلى جبلي طيّ فساقطة الحبل(٦)
  جلوس إلى أن يقصر الظّلّ عندها ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل
(١) الأغاني ٢١/ ٨٣.
(٢) الأغاني ٢١/ ٨٤.
(٣) في الأغاني: «يا تكش».
(٤) صلاة التراويح: صلاة مستحبة تقام بعد صلاة العشاء في رمضان، سميّت بذلك لاستراحة المصلي بين الترويحة والترويحة، وهي خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات.
(٥) واسعة الحبل: كناية عن شبقها ورغبتها في كل رجل يراودها على نفسها.
(٦) جبلاطيء: هما أجا وسلمى.