[26] الفقيه، أحمد بن محمد الحجازي الأصل،
  وعريب رطبة الشّفرين ... قد نيكت ضروبا(١)
  إذهب فخذ ما رهنت عليه، ثم ألقت السجف(٢)، فعلمنا إنها عريب، فهربنا خوفا لمكروه ينالنا من الغلمان(٣). وقالت لمن سألها: أي الرجال أحبّ إليك، شرطي أير صلب ونهكة(٤) طيبة، وإن انضاف إلى ذلك جمال زاد قدره عندي، وإلّا فهذان لا بد منهما(٥).
  وعتب المأمون عليها فهجرها ثم مرضت فعادها فقال لها: كيف وجدت طعم الهجر، فقالت: لولا مرارة الهجر لم تعرف حلاوة الوصل، ومن ذم بدء الغضب حمد عاقبة الرضا، فخرج المأمون إلى ندمائه متعجبّا من بلاغتها وأخبرهم، وقال: لو نعلم كلامها لكان معنى بديعا.
  قلت: المعنى مأخوذ من قول عليّة بنت المهدي:
  إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
  وروى الأصبهاني أيضا: إن المأمون اصطبح يوما ومعه عريب وندماؤه، وفيهم محمد بن حامد، فأومأ محمد إليها بقبلة، فاندفعت تغنّي بقول النابغة في كليب:
  رمى ضرع ناب فاستقلّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم(٦)
  فقال المأمون: من أومأ منكم إلى عريب بقبلة ليصدقني أو لأضربن عنقه، فقال ابن حامد: أنا، والعفو أقرب للتقوى، قال: قد عفوت، قال: وكيف استدل على ذلك أمير المؤمنين؟ قال: ابتدأت صوتا وهي لا تغنّي ابتداء إلّا لمعنى، وعلمت أنها أجابت من أومأ إليها بطعنة ولم يكن من شرط هذا المعنى إيماء إلّا بقبلة(٧).
(١) رطبة الشفرين: كناية عن كثرة مواقعة الرجال لها.
(٢) السجف: أحد السترين المقرونين بينهما فرجة.
(٣) الأغاني ٢١/ ٧٣ - ٧٤.
(٤) هكذا في الأصل، وفي الأغاني: «نكهة» وهي رائحة الفم.
(٥) الأغاني ٢١/ ٨٤ - ٨٥.
(٦) الناب: الناقة المسنّة، أي أن هذه الطعنة نفذت فأحدثت بضرع ما يشبه النقش المسهّم في البرود اليمنية.
(٧) الأغاني ٢١/ ٨٠ - ٨١.