[31] أبو هاشم إسماعيل بن يزيد بن وادع
  حتى إذا قصدوا لباب مغاره ... ألفوا عليه نسيج غزل العنكب
= وقال الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد ٢١١: «وأقبل بعض القرشيين يتسلقون إلى الغار ثم عاد أحدهم أدراجه. فسأله أصحابه مالك لم تنظر في الغار؟ فقال إن عليه نسج العنكبوت من قبل ميلاد محمد وقد رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس أحد فيه.
ويزداد محمد امعانا في الصلاة. ويزداد أبو بكر خوفا فيقترب من صاحبه ويلصق نفسه به فيهمس محمد في أذنه: لا تحزن إن اللّه معنا - ثم يقول (٢١٣) وفي مطاردة قريش محمدا لقتله وفي قصة الغار هذه نزل قوله تعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} الأنفال - ٣٠ - وقوله ø {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة - ٤٠ -».
ولقد احتج إسحق بن إبراهيم (وهو أحد الفقهاء الذين ناظرهم المأمون) بهذه المأثرة. عند البحث عن المفاضلة بين أبي بكر وعلي. قال إسحق: قلت: وإن لأبي بكر فضلا. قال المأمون:
أجل، لولا أن له فضلا لما قيل أن عليا أفضل منه. فما فضله الذي قصدت إليه الساعة؟ قلت:
قول اللّه ø {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا} فنسبه إلى صحبته. قال: يا إسحق أما إني لأحملك على الوعر من طريقك. إني وجدت اللّه تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا. وهو قوله {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا. لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} الكهف - ٣٧ و ٣٨ -.
قلت: إن ذلك الصاحب كان كافرا وأبو بكر مؤمنا. قال: فإذا جاز إن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه ولا الثاني ولا الثالث. قلت: يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم. إن اللّه يقول {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا} قال: يا إسحق. تأبى الآن إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك أخبرني عن حزن أبي بكر أكان رضا أو سخطا؟ قلت: إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول اللّه ÷ خوفا عليه وغما أن يصل إلى رسول اللّه شيء من المكروه. قال: ليس هذا جوابي. إنما كان جوابي أن تقول رضى أو سخط. قلت: بل رضى للّه. قال: فكأن اللّه جلّ ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضى اللّه ø وعن طاعته. قلت: أعوذ باللّه. قال: أوليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضى للّه؟ قلت:
بلى قال: أو لم تجد أن القرآن يشهد أن رسول اللّه ÷ قال له: لا تحزن نهيا له عن الحزن؟
قلت: أعوذ باللّه. قال يا إسحق إن مذهبي الرفق بك لعل اللّه يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل لكثرة ما تستعيذ به. وحدثني عن قول اللّه {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} من عنى بذلك، رسول اللّه أم أبا بكر؟ قلت: بل رسول اللّه. قال: صدقت: قال فحدثني عن قول اللّه ø {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} إلى قوله {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} التوبة - ٢٥ و ٢٦ - أتعلم من المؤمنون الذين أراد اللّه في هذا الموضع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين. قال:
الناس جميعا انهزموا يوم حنين. فلم يبق مع رسول اللّه ÷ إلا سبعة نفر من بني هاشم. علي يضرب بسيفه بين يدي رسول اللّه. والعباس آخذ بلجام بغلة رسول اللّه. والخمسة محدقون =