[31] أبو هاشم إسماعيل بن يزيد بن وادع
  فمشى بها قبل اليهود مصمما ... يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب(١)
(١) الانكب: المنحرف ومنه تنكب الطريق: انحرف عنه.
في هذا البيت وما يليه إلى رقم (٨٨) عرض للمعركة التي دارت رحاها بين أمير المؤمنين # وبين مرحب وجماعته من يهود خيبر. قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه في إرشاده (٥٨): لما سلم رسول اللّه ÷ الراية لعلي # قال له: امض بها فجبرئيل معك. والنصر أمامك. والرعب مبثوت في صدور القوم. (وإعلم يا علي إنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا). فإذا لقيتهم فقل أنا علي فإنهم يخذلون إنشاء اللّه تعالى.
وجاء في الكامل لابن الأثير ٢: ١٤٩ - لما أتى علي إلى خيبر أشرف عليه رجل من يهود فقال:
من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي: غلبتم يا معشر يهود. وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز.
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
فأجاب علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات شديد قسوره
أكيلكم بالسيف كيل السندره
(الشطر الثاني من رجز الإمام عن الإرشاد ونهاية الأرب للنويري وغيرهما). واختلفا بضربتين فبدره علي فضربه فقد الجحفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض. وقال الدكتور هيكل في كتابه حياة محمد (٣٨٨): بعث الرسول أبا بكر براية إلى حصن ناعم (أحد حصون خيبر) كي يفتحه فقاتل دون أن يفتح الحصن. وبعث الرسول عمر بن الخطاب في الغداة فكان حظه كحظ أبي بكر. فدعا الرسول إليه علي ابن أبي طالب ثم قال له خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح اللّه عليك. ومضى بالراية. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده. فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الحصن. ثم جعل الباب قنطرة إجتاز المسلمون عليها إلى داخل أبنية هذا الحصن.
وقال ابن الأثير في كامله ٢: ١٥٠: إن ثمانية من المسلمين اجتهدوا لأن يقلبوا الباب الذي تترس به علي # فلم يتمكنوا. وقال الشيخ المفيد في الإرشاد (٥٨): لما قتل أمير المؤمنين مرحبا رجع من كان معه إلى الحصن وأغلقوا بابه عليهم. فعالجه أمير المؤمنين حتى فتحه وجعله على الخندق جسرا حتى عبر المسلمون فظفروا بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين # بيمناه فدحا به أذرعا من الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا.
وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير ٢١: ٩١ عند التعليق على تفسير الآية (٩) من سورة الكهف {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً} - إن كل من كان أكثر علما بأحوال عالم الغيب كان أقوى قلبا وأقل ضعفا. ولهذا قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه واللّه ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ولكن بقوة ربانية. وذلك لأن عليا كرم اللّه وجهه في ذلك الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد وأشرقت الملائكة بأنوار عالم الكبرياء فتقوى روحه وتشبه بجواهر الأرواح الملكية. وتلألأت فيه أضواء عالم القدس والعظمة. فلا جرم حصل من القدرة ما قدر بها على ما لم يقدر عليه غيره.