[44] أبو فراس، الحارث بن أبي العلى [سعيد بن]
  ألم يعلم الذّلّان أنّ بني الوغى ... كذاك، سليب بالرّماح وسالب(١)
  وإنّ وراء الحزم فيها ودونه ... مواقف تنسى دونهنّ التّجارب
  أرى ملء عينيّ الرّدى فأخوضه ... إذ الموت قدّامي وخلفي المعايب
  وأعلم قوما لو تتعتعت دونها ... لأجهضني بالذّمّ منهم عصائب(٢)
  ومن شرفي أن لا يزال يعيبني ... حسود على الأمر الذي هو عائب
  رمتني عيون النّاس حتى أظنّها ... ستحسدني في الحاسدين الكواكب
  فلست أرى إلّا عدوّا محاربا، ... وآخر خير منه عندي المحارب
  فهم يطفئون المجد واللّه موقد، ... وهم ينقصون الفضل واللّه واهب
  ويرجون إدراك العلا بنفوسهم ... ولم يعلموا أنّ المعالي مواهب
  وهل يدفع الإنسان ما هو واقع؟ ... وهل يعلم الإنسان ما هو كاسب؟
  وهل لقضاء اللّه في الخلق غالب؟ ... وهل من قضاء اللّه في الخلق هارب؟
  عليّ طلاب المجد من مستقرّه ... ولا ذنب لي إن حاربتني المطالب
  وعندي صدق الضّرب في كل معرك، ... وليس عليّ إن تبين المضارب(٣)
  إذا اللّه لم يحرزك ممّا تخافه، ... فلا الدّرع منّاع ولا السّيف قاضب(٤)
  ولا سابق ممّا تخيّلت سابق؛ ... ولا صاحب ممّا تخيّرت صاحب
  عليّ لسيف الدّولة القرم أنعم ... أوانس لم ينفرن عني ربائب
  أأجحده إحسانه فيّ، إنّني ... لكافر نعمى إن فعلت موارب
  لعلّ القوافي عقن عمّا أردته، ... فلا القول مردود ولا العذر ناضب
  ولا شكّ قلبي ساعة في اعتقاده ... ولا شاب ظني قطّ فيه الشّوائب
  تؤرّقني ذكرى له وصبابة؛ ... وتجذبني شوقا إلي الجواذب
  ولي أدمع طوعى إذا ما أمرتها، ... وهنّ عواص في هواه غوالب
  فلا تحسبن سيف الدّولة القرم أنّني ... سواك إلى خلق من النّاس راغب
  فلا تلبس النّعمى وغيرك ملبس، ... ولا تقبل الدّنيا وغيرك واهب
  ولا أنا من كلّ المطاعم، طاعم ... ولا أنا، من كلّ المشارب، شارب
(١) الذلان: الذليل.
(٢) تتعتعت: تقلقلت. أجهضني: أبعدني، أزلقني.
(٣) المضارب، الواحد مضرب: مكان الضرب من السيف.
(٤) قاضب: قاطع.