[44] أبو فراس، الحارث بن أبي العلى [سعيد بن]
  ولا أنا راض إن كثرن مكاسبي، ... إذا لم تكن بالعزّ تلك المكاسب
  ولا السّيّد القمقام عندي بسيّد ... إذا استنزلته عن علاه الرّغائب
  أيعلم ما نلقى؟ نعم يعلمونه ... على النّأي أحباب لنا وحبائب
  أأبقى أخي دمعا، أذاق كرى أخي؟ ... أآب أخي بعدي منه الصّبر آئب(١)
  بنفسي وإن لم أرض نفسي لراكب ... يسائل عنّي كلّما لاح راكب(٢)
  قريح مجاري الدّمع مستلب الكرى ... يقلقله همّ من الشّوق ناصب
  تجاوزت القربى المودّة بيننا، ... فأصبح أدنى ما يعدّ المناسب
  أخي لا يذقني اللّه فقدان مثله، ... وأين له مثل، وأين المقارب؟
  ألا ليتني حمّلت همّي وهمّه، ... وأنّ أخي ناء عن الهمّ عازب
  فمن لم يجد بالنّفس دون حبيبه ... فما هو إلّا ماذق الودّ كاذب(٣)
  أتاني، مع الرّكبان، أنّك جازع، ... وغيرك يخفى عنه للّه واجب
  وما كنت ممّن يسخط اللّه فعله ... وإن أخذت منه الخطوب السّوالب
  وإني لمجزاع، خلا أنّ عزمة ... تدافع عني حسرة وتغالب
  ورقبة حسّاد صبرت لوقعها ... لها جانب مني وللحرب جانب
  وكم من حزين مثل حزني وواله ... ولكنّني وحدي الحزين المراقب
  ولست ملوما إن بكيتك من دمي ... إذا قعدت عني الدّموع السّواكب
  رماني زمان بالفراق جسارة ... كأن لياليه لديّ الأقارب
  ولكنني في ذا الزمان وأهله ... غريب وأفعالي لديه غرائب
  وأي أخ يصفو وأصفو وإنّما ... الأرقاب في هذا الزمان العقارب
  ألا ليت شعري هل تبيت مغذّة ... تناقل بي يوما إليك الرّكائب
  لعلّ الليالي أن تعود فرّبما ... تجلين إجلاء الغيوم المصائب
  فتعتذر الأيام من طول ذنبها ... إليّ ويأتي الدهر والدهر تائب(٤)
  هذه القصيدة طنّانة، وجميع شعره على هذه الطريقة.
  وكان شديد التشيّع على مذهب سيف الدولة.
(١) آب: قصد.
(٢) أراد بالراكب المسائل: أخاه.
(٣) ماذق الود: أي أن وده مشوب بكدر.
(٤) ديوانه ٣٥ - ٣٩.