[70] أبو علي، دعبل بن علي بن رزين بن سليمان
  وهو يقول: لعمري لقد عرّض عرضه من عرضه لقول الخزاعي دعبل:
  خليليّ ماذا أرتجي من هوى امرئ ... طوى الكشح عنّي اليوم وهو مكين
  وإن امرئ قد ظنّ عني بمنطق ... يسدّ به من خلتي لظنين(١)
  فانبرى أحمد بن أبي داود كأنما أنشط من عقال يسأله في رجل من أهل اليمامة، فأطنب وأسهب، وذهب به القول كل مذهب، فقال له الواثق: يا أبا عبد اللّه لقد أكثرت في غير كثير ولا طيب، فقال: يا أمير المؤمنين إنه صديقي وأهون ما يعطي الصديق صديقه أن يتكلم. فقال الواثق: وما قدر اليمامي أن يكون صديقك، وإنما أحسب أن يكون من عرض معارفك، فقال: يا أمير المؤمنين أنه شهرني بالاستشفاع إليك وجعلني بمرأى ومسمع من الرد والأصغاء، فإن لم أقم له هذا المقام كنت كما قال أمير المؤمنين، وأنشد البيتين، فقال الواثق: يا محمد بن عبد الملك، باللّه إلّا ما عجّلت لأبي عبد اللّه حاجته ليسلم من هجنة المطل كما سلم من هجنة الرد.
  وكان دعبل يقول: من فضل الشاعر أن يستحسن منه ما يستقبح من غيره الكذب، وكلما زاد كذبه زاد استحسانه، ثم لا يكفيه ذلك إلّا بقول السامع:
  أحسنت واللّه، فلا يشهد له شهادة إلّا ومعها يمين.
  ومن أخباره ما رواه بعض أصحابه قال: أخبرنا دعبل، قال: كنا يوما عند سهل بن هارون الكاتب، وكان مشهورا بالبخل، فأطلنا الحديث فاضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بقصعة فيها ديك هرم لا تعمل فيه سكين، ولا يؤثر فيه ضرس، فأخذ قطعة خبز فخاض بها مرقته، وقلّب جميع ما في القصعة ففقه الرأس فبقي مطرقا ساعة ثم رفع رأسه فقال للطباخ: أين الرأس؟ قال: رميت به، قال: ولم فعلت؟ قال: ظننت أنك لا تأكله، قال: بئسما ظننت، ويحك واللّه إني لأمقت من يرمي برجليه، كيف من يرمي برأسه، أما علمت أن الرأس رئيس وفيه الحواس الأربع، ومنه يصيح، ولولا صوته لما فضّل، وفيه عرفه الذي يتبرك به، وعيناه وبهما يضرب المثل فيقال شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكليتين، ولم ير عظم أهشّ من عظم رأسه، أو ما علمت أنه خير من طرف
(١) الأغاني ٢٠/ ١٣٤.