[74] أبو المعالي ضياء الدين، زيد بن يحيى بن
  لا ينسى شيئا مع إتقان الحفظ، ونظم الشعر قبل بلوغ العشر السنين، وشعره ربيع القلوب ونزهة الخواطر، ما لحقه فيه حبيب، ولا تبلج مثله محبوب، وجمعت منه ما كان أنشدني أو كاتبني به وهو اليسير وشذّ عني منه الطّيب الكثير، وسمّيت المجموع: «طلوع الضياء» ولم يتزوّج.
  وإنّما اخترت له هذه الكنية لمناسبتها حاله، فقد كانت الدنيا إلّا المعالي عنده أهون على الحجّاج من تباله، فمّما أماس في غلائل الرقّة، وأشبه سحر العيون بمعانيه والحضور في الدقّة، ما كتبه إليّ أيام التلاقي، وقرّة العيون والمآقي:
  قم فقد ألممت صبا الأبكار ... واكتسى الأفق حلة الأنوار
  واحتلى جيده قلادة تبر ... من سنا الشمس بعد در الدرار
  دب جمر الصباح في فحمة الليل ... فطارت نجومه كالشرار
  خال شمس الضحى عروسا فأضحى ... ينفض الشهب قبلها كالنثار
  وانجلى الزهر في الرياض فقلنا ... نقلت نحوها النجوم السواري
  فأجبني إلى رياض زواه ... قد دعتنا بألسن الأطيار
  وكفتنا عن مزهر ورباب ... بغنا عند ليبها والهزار
  فرشت تحتنا النبات وأرخت ... خيما فوقنا من الأشجار
  شجر كالحسان أوراقها اللب ... س وفي جيدها حلى الأزهار
  ويسيل النسيم فيها من النهر ... حساما لقطع محل الديار
  فاز من بات في الربيع وأضحى ... يلتهي بالجنان والأنوار
  يعقد الأنس فوق بعض السواقي ... تحت ظل الغصون ذات الثمار
  بين ورد ونرجس وأقاح ... وشقيق وسوسن وبهار
  يحتوي فضة من النرجس الغضّ ... ويحظى من ورده بالنظار
  إن ذوى نرجس وورد بكاه ... لا على درهم ولا دينار
  ما لفضل الربيع في الحسن شبه ... غير أوصاف يوسف ذي الفخار
  نجم أفق العلى الذي قد تسامى ... عن محلّ الشموس والأقمار
  خلقه كالنسيم والخلق كالزهر ... نداه كغيثه المدرار
  مفرد العصر في فخار جليّ ... كسفا الشمس لاح للنظار
  وأمام البيان فالكل منا ... يهتدي من سناه بالأنوار