[78] الإمام أبو الحسين، زيد بن الإمام السجاد
  بالمدينة، فأرسل إليه ليوكّل وكيلا، يرحل عنها، فلما رأى الجدّ من يوسف في أمره سار حتى أتى القادسية وقيل الثعلبية فتبعه أهل الكوفة، وقالوا: نحن أربعون ألفا لم يتخلف عنك أحد، نضرب معك بسيوفنا وليس ها هنا من أهل الشام إلّا عدّة يسيرة، وبعض قبائلنا تكفيهم بإذن اللّه تعالى، وحلفوا له بالأيمان المغلظة، فجعل يقول: إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدّي! فيحلفون له.
  فقال داود بن علي: لا يغرّك يا ابن عم هؤلاء، أليس قد خذلوا من كان أعزّ عليهم منك جدك علي بن أبي طالب حتى قتل، والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداه وجرحوه، أوليس قد أخرجوا جدّك الحسين وحلفوا له ثم خذلوه وأسلموه، ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه فلا ترجع إليهم أبدا.
  فقالوا: يا زيد إن هذا لا يريد أن تظهر أنت ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم.
  فقال لداود: إن عليا كان يقاتله معاوية بذهبه، وإن الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم، فقال له داود: إني أخاف إن رجعت إليهم أن لا يكون أحد أشدّ عليك منهم وأنت أعلم، ومضى داود للمدينة.
  ورجع زيد إلى الكوفة، فأتاه سلمة بن كهل فذكر له قرابته من رسول اللّه ÷ وحقّه فأحسن، ثم قال له: أنشدك اللّه كم بايعك؟ فقال: أربعون ألفا، قال: فكم بايع جدّك؟ قال: ثمانون ألفا، قال: فكم حصل معه؟ قال: ثلاثمائة، قال: أنشدك اللّه أنت خير أم جدّك؟ قال: جدّي، قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟ قال:
  بل ذلك، قال: فتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدّك، قال: بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم، قال: فتأذن لي أن أخرج من هذا البلد، فإني أخاف أن يحدث حدث فأهلك نفسي، فأذن له، فخرج إلى اليمامة.
  وكتب إليه عبد اللّه بن الحسن بن الحسن:
  أمّا بعد، فإن أهل الكوفة نفخ العلانية، خول السريرة، هوج في الردا، أجزع عند اللقا، تقدّمهم ألسنهم، ولا تشايعهم قلوبهم، ولقد تواترت كتبهم أليّ بدعوتهم، فصمتّ عن ندائهم، وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم، يأسا منهم، وأطراها لهم، وما لهم مثل إلّا كما قال علي بن أبي طالب #: إن أهملتم