[87] الملك الصالح أبو الغارات طلايع بن رزيك
  ذلك، وكان له مجلس بالليل يحضره أهل العلم ويدونون شعره، ولم يترك مدة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر، فكان يخرج البعوث في كل سنة مرارا، وكان يحمل لأهل الحرمين من الأشراف كلّ سنة سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة وغيرها حتى إنه يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها والأقلام وآلات النسخ، ويحمل كل سنة إلى العلويين الذين بالمشاهد جملا كثيرة، فرحمه اللّه ورضي عنه.
  وكان أهل العلم يفدون عليه من كلّ جانب من سائر البلاد فلا يخيب أمل قاصد منهم، فلمّا كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال: هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام عليّ، وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلّى على رأي الأمامية مائة وعشرين ركعة أحيى بها ليله، وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته عن رأسه وتشوش لذلك، فقعد في دهليز دار الوزارة فأمر فاحضر ابن الصيف. وكان يتعمم للخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل فلمّا أخذ في إصلاح العمامة قال رجل للصالح: [نعيذ باللّه] مولانا ويكفيه مثل هذا الذي جرى يتطير منه، فإن رأى مولانا أن يؤخّر الركوب فعل، فقال: الطيرة من الشيطان، ليس إلى تأخير الركوب سبيل، ثم ركب فكان من ضربه ما كان(١) ¦ وعفى عنه ورضى.
  وقال الصلاح الصفدي في شرح الجهورية: كان الصالح بن رزيك قد ألزم الأثير بن بيان بمال رفع عليه لكونه كان يتولّى أموالا له فأرسل إليه يمتّ بقديم الخدمة والتشيع الموافق لمذهبه فقال الصالح:
  أتى ابن بيان ببهتانه ... يحصّن بالدين ما في يديه
  بريت من الرفض إلّا له ... وتبت من النصب إلّا عليه(٢)
  فكان المال ستين ألف دينار فأخذ منه اثني عشر ألفا وترك له الثاني.
  قلت: لو بذل نصراني الإسلام في زماننا على أن يحط عنه خمسون دينارا لما قبل منه فرحمة اللّه على الصالح وبركاته.
  وما أخال أمّ الليالي تلد مثله فهو سعيد الدارين، وكأنما نشر المسك من
(١) الخطط المقريزية ٣/ ٢٦١ - ٢٦٢.
(٢) ديوانه.