[93] الخليفة المأمون، أبو الفضل وأبو العباس،
  من رأى الناس له الفض ... ل عليهم حسدوه
  مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه
  وسّبب هذا البيت غضب عليه المأمون وجفاه، وقيل: كان الأمين يوما في بستانه فعلت الضجة، فدخل عليه الحاجب فقال: إن طاهر قد ملك الجانب الفلاني من بغداد، فقال: دعوني إن كوثرا قد صاد سمكتين وأنا لم أصد شيئا.
  وحكى إبراهيم بن المهدي قال: استدعاني الأمين ليلة وقد اشتدّ به الحصار، فقال: إني دعوتك لتؤنسني ثم أخذ بيدي فصار إلى بستانه على الدجلة في ليلة مقمرة فقال: أما ترى حسن نور هذا القمر وصورته في الماء؟ قلت: بلى يا سيدي، ودعوت له، فقال: هل لك في الشراب؟ قلت: ما رأى أمير المؤمنين، فدعى به واستدعى ثلاثا من جواريه المغنّيات فشربنا ثم قال لأحداهن:
  غنّي فغنت:
  كليب لعمري كان أكثرنا صرا ... وأيسر ذنبا منك ضرّج بالدّم
  رمى ضرع ناب فاستقلّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم
  قلت: وهو للنابغة، فتطيّر ووجم. وقال: قومي، ثم التفت إلى الثانية وقال: غنّي، فاندفعت فغنّت:
  لهفي على فتية ذلّ الزمان لهم ... فما أصابهم إلّا بما شاؤوا
  ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
  أبكى فراقهم عنّي وأرّقها ... أن التفرّق للأحباب بكّاء
  فتطيّر أعظم من المرّة الأولى، وقال: قومي عليك غضب اللّه، ثم التفت إلى الثالثة فأمرها بالغناء فحبست عودها بقول مضّاض بن عمرو الجرهمي(١):
(١) مضاض بن عمرو بن نفيلة الجرهمي: من ملوك العرب في الجاهلية. كان محبا للغزو، كثير المعارك، مقيما في الحجاز، تابعا لليمن. وكان قبل الميلاد بزمن بعيد. ويقال: إن إسماعيل النبيّ تزوج بنته وجميع ولد إسماعيل منها. ويؤخذ من رواية نقلها الزبيدي أنه كان معاصرا لعمرو مزيقياء. وفي مخطوط لأحد النقلة من المتأخرين ما يفيد أن مضاضا كان يحكم أعلى مكة ويأخذ «العشور» ممن يدخلها من تلك الجهة.
ترجمته في:
التيجان ١٧٨ و ١٨٠ وأخبار ابن عبيد ٣١٥ وفي التاج للزبيدي ٥: ٨٧: «.. وفهيرة بنت عامر بن =