نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[93] الخليفة المأمون، أبو الفضل وأبو العباس،

صفحة 309 - الجزء 2

  كان لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

  بلا نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود الغوابر

  فتغيّر وجهه وضرب صدرها برجله فانكسر عودها، وقامت فعثرت بكأس بلّور مرصّع فكسرته، فالتفت إليّ وقال: يا عمّ أرأيت أعجب ممّا نحن فيه، واللّه ما أظنّ أمري إلّا قد قرب، قلت: بل يطيل اللّه بقاء أمير المؤمنين ويقتل عدوه، فسمعنا صارخا من دجلة لا نرى شخصه يقرأ {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ}⁣(⁣١) فقال: أسمعت، ما أرى أمري إلّا قد قرب، قلت: سمعت شيئا، وكنت سمعت لكن أردت أن لا أزيده وحشة، ثم قام منكسرا فما مرت ثلاثة أيام ألا وأسر وقتل.

  وكان سبب أسره أنّه ضاق صدره لضيق الحصار الطويل، وقلّة الأموال، وفناء الأجناد، فكاتب طاهرا أنّه ينزل على حكم المأمون فأبى إلّا أن ينزل على حكمه، فتركه وكاتب هرثمة بن أعين أحد القوّاد الخراسانية - وكان نازلا بعسكره في الجانب الغربي - فقبل كلامه وعزم على إرساله إلى المأمون فخرج الأمين في جوف الليل وركب زورقا ليعبر فيه إلى هرثمة، وكان طاهر قد جعل الحرس في الدجلة خوفا أن يفرّ الأمين إلى الشام فيعظم الخطب، فأحسّ به أصحاب طاهر فقصدوا زورقه فقاتلهم غلمانه فقلبوها عليهم فغرقوا، وكان الأمين سابحا فعبر سباحة إلى الجانب الشرقي فتلقاه أصحاب طاهر فشمّوا منه ريح المسك فعرفوه، وأتوا به إلى طاهر في جوف الليل، فسجد وأمر بحسبه في بيت، وخرج بنو العباس والوجوه إلى طاهر فبايعوه للمأمون وصاح بالأمان فهدأ الناس.

  وحكى ابن بدرون المغربي في «أطواق الحمامة شرح قصيدة ابن عبدون البسامة» عن بعض أصحاب طاهر قال: كان طاهر حبسني في جناية وتهدّدني بالقتل، فبينا أنا في الحبس في جوف الليل إذ سمعت حركة الأقفال فلم أشك أنّه القتل، فدخل عليّ شابّ حسن الجسم، أبيض اللون، عريان ليس عليه إلّا سراويل ثم أغلقت الأبواب فدنا إليّ مرتاعا فقرب منّي وقال: ادن منى لأستأنس بك وتخفّف وحشتي، فدنوت منه وهو يرتعد، فلما سكن قلت: جعلت فداك من


= الحارث بن مضاض، هي أم عمرو بن ربيعة بن حارثة ابن عمرو مزيقياء». وفي مسودة تاريخ مكة - خ: كان مضاض الجرهمي يعشر من يدخل مكة من أعلاها، والسميدع (؟) يعشر من يدخل من أسفلها، ولا يدخل أحد منهما على صاحبه، الاعلام ط ٤/ ٧ / ٢٤٩.

(١) سورة يوسف: الآية ٤١.