[105] أبو الحسن علي بن العباس بن جرجيش
  جرحته العيون فاقتصّ منها ... بجوى في القلوب دامي النّدوب(١)
  وقال بعض الأدباء: كان الناس يتشوقون إلى أوطانهم ولا يفهمون العلّة في ذلك إلى أن أوضحها ابن الرومي في قصيدته لسليمان بن عبد اللّه بن طاهر يستعديه على رجل من التجّار، أجبره على بيع داره واغتصبه بعض حدودها:
  ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
  عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
  وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضّاها الشباب هنالكا
  إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصّبا فيها فحنّوا لذالكا
  فقد ألفته النفس حتى كأنّه ... لها جسد إن بان غودر هالكا
  قلت: لا شكّ أن ابن الرومي لم يبق بقيّة في أسباب حنين النفس إلى الوطن، وأمّا فاتح الباب فهو الحماسي القائل:
  أحبّ بلاد اللّه ما بين منعج ... وبين عذيب أن يصوب سحابها
  بلاد بها نيطت عليّ تمايمي ... فأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
  وقيل: لم تجئ في شماتة بمنكوب مثل قول ابن الرومي:
  لا زال يومك عبرة لغدك ... وبكت بشجو عين ذي حسدك
  فلئن بكيت فطالما بكيت ... بك همّة لجأت إلى سندك
  لو تسجد الأيام ما سجدت ... إلا ليوم فتّ في عضدك
  يا نعمة ولّت غضارتها ... ما كان أقبح حسنها بيدك
  فلقد غدت بردا على كبدي ... لما غدت جمرا على كبدك
  ورأيت نعمى اللّه زائدة ... لما استبان النقص في عددك
  لم يبق لي مما برى جسدي ... إلّا بقايا الروح في جسدك
  وله في بعض الأمراء وقد سأله حاجة قضاها، وكان لا يتوقّع منه خيرا:
  سألتك في أمر فجدت ببذله ... على أنني ما خلت أنك تفعل
  وألزمتني بالبذل شكرا وإنه ... عليّ من الحرمان أدهى وأعضل
(١) نهاية الأرب للنويري ٢/ ٧٥، كاملة في ديوانه ١/ ١٧٢.