[113] أبو الحسن علي بن محمد بن عبد العزيز
  الفصاحة عاقلا، وكم طنّبت عليه حذرا منه ورفعت خبا، حتى أناخ عليه في ليلة لا يعرف الكلب وهو الدهر من ظلمائها الطنبا، فمنعه الكلام، وسقاه الحمام، وما رحم يده النحيلة، ولا حداثته التي لا تعرف غير الشكا إلى اللّه حيلة، ولا رثى لقوّته الواهية، ولا رقّ مني ومن أمه لباك وباكية، ولا واللّه ما قبض غير روحي، ولا ربح غير ذمّي له ما عشت وقبيحي، وكان قد بلغ من السنين عشرا، وقارب هلاله أن يكون بدرا، وحفظ من القرآن إلى المدثر، فأمسى بالتراب مدثرا، فأعجب لبقائي برغمي بعده، ولا تسل من دم قلبي وعيني عما جرى، فعند اللّه احتسبه راحلا بسرروي، ومزايلا لأملي في أمّ ذفر وغروري، وكان مما قطع قلبي حسرات، وسيّل بالدماء العبرات، أنّي أردته على أكل شيء في مغرب الليلة التي فارقني آخرها، فقال: أكثر اللّه خيرك، ولا واللّه مرّت قبل على لسانه، ولا عاشرها كما يقول الضيف الراحل، ولم يسغ ذلك المطعوم وليس المدنف بأكل، وكانت ليلة الأربعاء الرابع عشر من جمادى الأولى سنة أربع عشرة ومائة وألف فهي الليلة المشؤومة المنحوسة عندي ولا شك ولا خلف، وأن كان الثواب بقدر المصاب من ذي المنّة، فما ثوابي في مصيبتي الدائمة إلا الجنة، واسمه إسحاق بن يوسف بن يحيى(١) وجاءت قصيدة من السيد العلامة العارف بدر الدين محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن المنصور(٢) ضحوة صباح مواراته بل مواراة حياتي وسأذكرها إن شاء اللّه في حرف الميم. وهي على روي أبيات ابن التهامي ووزنها، فاذكرنيها فقلت وأنا في سكرات الأحزان، قول العاني المحروب الولهان:
  ضاقت عليّ رحيبة الأقطار ... ومضى اصطبار حشاشتي ووقاري
  لما ارتحلت إلى البلا قسرا وما ... قد كنت تدري شدّة الأقسار
  واللّه ما أبكي لحزني والجوى ... وحرارتي وشواظ قلبي الواري
  إلا لسقمك والذي قاسيته ... تلقاي من ضيق وحرّ أوار
  عشر وخمس ذوّبتك كأنها ... نار تذوّب منك صفو نضار
  حتى اغتديت وكنت بدرا كاملا ... مثل الهلال عشيّة الإفطار
  بأبي أنينك ذاك ملء مسامعي ... وتململ اليمنى وذات يسار
(١) ابن المؤلف، ترجمته في نشر العرف ٢/ ٩٦٠ - ٩٦٣.
(٢) ترجمه المؤلف برقم ١٥٤.