هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الأوامر]

صفحة 499 - الجزء 2

  صيغة الأمر «افعل» وصيغة النهي «لا تفعل»، وإنما الخلاف في أن الشيء المعين إذا أمر به فهل ذلك الأمر نهي عن الشيء المعين⁣(⁣١) المضاد له أو لا⁣(⁣٢)؟ فإذا قال: «تحرك» فهل هو في المعنى بمثابة: «لا تسكن»؟

  (قيل:) هو بمثابته وأنه (نهي عن الضد⁣(⁣٣)) واتصافه بكونه أمراً ونهياً باعتبارين⁣(⁣٤) كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين، وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري والقديم من قولي القاضي أبي بكر الباقلاني، وسواء كان إيجاباً أو ندباً، وهذا بناء على إثبات الكلام النفسي⁣(⁣٥)؛ ولهذا نقله صاحب


(قوله): «وهذا بناء على إثبات الكلام النفسي» هكذا في الجمع وشرحه، قال في شرحه: أما المنكرون للكلام النفسي وهم المعتزلة فإن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده عندهم قطعاً، فإن الأمر والنهي لهما صيغتان مختلفتان، ثم قال: واختلف المعتزلة في أن الأمر اللساني هل يتضمن النهي عن ضده أم لا، فذهب قدماؤهم إلى منعه، والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين وغيرهما إلى إثباته. قلت: وقد نسب المؤلف # القول بأنه يستلزمه إلى بعض أئمتنا كما يأتي، فيكون مبنياً على ما ذكره في شرح الجمع من مذهب القاضي عبدالجبار ومن معه، ويكون المراد بقوله #: وهذا بناء على إثبات الكلام النفسي أي القول بكون الأمر عين النهي عن ضده، لا أنه يستلزمه.

(فائدة)⁣[⁣١] ذكر في شرح الجمع أن المراد بالضد هو الوجودي؛ ليخرج النقيض، وهو ترك المأمور به، فإنه منهي عنه بلا خلاف، فقولنا: قم نهي عن ترك القيام، وهل هو نهي عن التلبس بضد من أضداده الوجودية كالقعود والاضطجاع؟ هذا محل الخلاف انتهى، وستأتي قريباً الإشارة إلى ذلك بقوله #: لأنهم صرحوا بأن المراد بالضد هو الضد الوجودي.

(قوله): «ولهذا نقله صاحب التقريب ... إلخ» لا حجة في مجرد النقل عن الجميع ما لم ينف عن غيرهم.


(١) الوجودي، واحترز بقوله: المعين عن المبهم من أشياء فليس الأمر به بالنظر إلى ما صدقه نهياً عن ضده منها ولا متضمناً له قطعاً، وقيدنا الضد بالوجودي للاحتراز عن العدمي، أي: ترك المأمور به، فالأمر نهي عنه أو يتضمنه قطعاً. (من شرح المحلي للجمع).

(٢) وفي شرح الفصول ما يدل على أن زيادة لفظ المعين لئلا يتوهم أن المراد الصيغة أو مفهوم الأمر.

(٣) في نسخة: «عن ضده».

(٤) بمعنى أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى التحرك أمر وإلى السكون نهي، ذكر معناه المحلي في شرح الجمع.

(٥) وعبارة الجمع: الأمر النفسي بشيء معين نهي عن ضده الوجودي. اهـ قال في شرح الجمع للزركشي: وإنما قيدنا هذا الخلاف بالنفسي للتنبيه على أنه ليس الخلاف في صيغة الأمر وصيغة النهي؛ إذ لا نزاع في أنهما صيغتان مختلفتان، وإنما النزاع عند القائلين بالنفسي بأن الأمر هو الطلب القائم بالنفس راجع إلى أن طلب فعل الشيء هل هو طلب ترك أضداده أم لا؟ وهذا وإن لم يصرح به الجمهور وأطلقوا الخلاف فهو متعين لما ذكرنا، والشيخ والقاضي لم يتكلما إلا في النفسي، ثم ذكر نفي المعتزلة للنفسي واتفاقهم على أن الأمر ليس نهياً عن ضده؛ ضرورة مغايرة صيغة «افعل» لصيغة «لا تفعل»، قال: وإنما اختلفوا - يعني المعتزلة - هل يستلزم النهي عن ضده من جهة المعنى على مذهبين ... إلخ. اهـ المراد نقله.


[١] وقد ذكر هذا الكلام المنقول في الغيث الهامع.