[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  (قيل(١)) في الاحتجاج للمخالف(٢): لو كان دليل العقل(٣) مخصصاً لكان (يلزم تأخره) والتالي باطل، أما الأولى فلأن تخصيص الشيء بيان للمراد منه، والبيان يتأخر عن المبيَّن؛ لامتناع البيان ولا مبيَّن(٤).
  وأما الثانية فلأن دليل العقل متقدم على الخطاب(٥) بالضرورة.
  (قلنا) اللازم إنما هو تأخره (متصفاً بالبيان) ولا بطلان فيه، إنما الباطل تأخر ذاته.
  وتحقيق ذلك: أن يقال: قولهم: يلزم تأخره إن أرادوا به تأخر ذاته فالأولى ممنوعة، وإن أرادوا به تأخر كونه مبيناً فالثانية ممنوعة، وذلك لأن دليل العقل وإن كان متقدماً في ذاته على الخطاب لكنه قبل وروده لا يوصف بكونه مبيناً، وإنما يصير مبيناً بعد وروده.
[حكم تخصيص الكتاب]
  مسألة: اتفقت الأمة إلا فرقة لا يؤبه لهم من الظاهرية على أنه (يجوز تخصيص الكتاب به(٦)).
  احتج الجمهور: أما من جهة العقل: فلأنه يقضي بأن القاطع وهو الخاص لقوة دلالته لا يبطل بالمحتمل وهو العام لاحتمال التخصيص فيه، ولأن العمل بالعام يبطل الخاص بالكلية، بخلاف العكس.
(قوله): «لا يؤبه لهم» في الصحاح: فلان لا يؤبه به ولا يؤبه له، أي: لا يبالى به.
(١) داود والقفال. (جحاف).
(٢) قال ابن السبكي: واعلم أن الخلاف في المسألة لفظي؛ فإن أحداً لا ينازع في أن ما يسمى مخصصاً بالعقل خارج، وإنما النزاع في أن اللفظ هل يشمل ذلك؛ فمن لا يسمي العقل مخصصاً يدعي أن اللفظ لم يشمل ذلك، وهذا هو ظاهر نص الشافعي كما نبهنا عليه في شرح المنهاج.
(٣) لا فائدة في زيادة «دليل» إلا أن يحمل على أن الإضافة بيانية. حاشية (نخ).
(٤) على لفظ اسم المفعول، فإن قيل: بل الأمر بالعكس؛ لامتناع المبين ولا بيان. قلنا: المراد ذات المبين، أعني الخطاب الذي يتبين المراد منه لا مفهوم المبين. (سعد).
(٥) في المطبوع: عن الخطاب.
(٦) علم تقدم العام أو تقدم الخاص أو جهل التأريخ، ومنعه بعض مطلقاً، وفصل أبو حنيفة والقاضي وإمام الحرمين فقالوا: إن علم التاريخ فالخاص إن كان متأخراً خصص العام، وإن كان متقدماً فلا، بل يكون العام ناسخاً للخاص، وإن جهل التاريخ تساقطا؛ لاحتمال بطلان حكم الخاص لتأخر العام، وثبوت حكمه لتقدمه، فيتوقف في مورد الخاص ويطلب فيه دليل آخر. (عضد).