[مسألة: فيما لا يدرك فيه جهة محسنة أو مقبحة]
(المقصد الثامن من مقاصد هذا الكتاب في أحكام العقل)
  (وهي) الأحكام (الخمسة) التي هي الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة (كقضاء الدين والظلم والإحسان وسوء الأخلاق) كتقطيب الوجه وغيره مما يمدح على تركه ولا يذم على فعله (والتصرف) من المالك (في الملك، وحدودها) أي: الأحكام الخمسة (تقدمت) في مباحث الأحكام؛ لأن معرف الحكم(١) قد يكون هو الشرع وقد يكون هو العقل، فتؤخذ التعريفات من التقسيم السابق هناك.
[مسألة: فيما لا يدرك فيه جهة محسنة أو مقبحة]
  (مسألة:) اختلف (فيما لا يدرك فيه بخصوصه جهة محسنة) له (أو) جهة (مقبحة) له كالتمشي بالبراري والتظلل تحت أشجارها والشرب من أنهارها وتناول ما ينتفع به الحي ولا مضرة فيه على أحد كالنابت في غير ملك، فقوله: «ما لا يدرك فيه بخصوصه» معناه أن العقل لا يحكم فيه على جهة التخصيص والتفصيل في كل فعل فعل، وأما على جهة الإجمال فإنه يدرك فيه ذلك ويحكم به؛ ولهذا اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة: أولها: (الإباحة) وهو مذهب أئمتنا
(قوله): «كقضاء الدين» نشر على ترتيب اللف في الشرح.
(قوله): «والتصرف في الملك» أي: ملك نفسه، كذا في شرح الفصول.
(قوله): «واختلف فيما لا يدرك فيه بخصوصه جهة محسنة أو مقبحة» أي: اختلف فيه قبل ورود الشرع، ولو صرح المؤلف # بذلك لكان أولى؛ لأن هذه المسألة مفروضة كذلك، فالأشعرية لما منعوا حكم العقل تنزلوا عن ذلك وقالوا: وبتقدير تسليم حكم العقل لا نسلم حكم العقل في مسألتين: إحداهما: شكر المنعم ليس بواجب عقلا، والثانية: حكم الأشياء قبل الشرع، فإن العقل لا يقضي فيها بحسن ولا بقبح. وبما ذكرنا اندفع الإشكال بأن الأشعري كيف يقول بالوقف مع نفيه حكم العقل؟ ووجه الاندفاع أن الوقف عنده مبني على التنزل كما ذكرنا.
(قوله): «كالتمشي بالبراري» فإن هذا لا يدرك فيه بخصوصه، أي: في فعل منه خاص.
(قوله): «ولهذا اختلفوا» أي: ولأن الذي يدرك فيه بالحسن والقبح جهة الإجمال لا جهة التفصيل صح اختلافهم، وهذا إشارة إلى دفع إيراد وجوابه ذكرهما السعد حيث قال: فإن قيل: كيف يتصور القول بالحظر أو الإباحة مع أنه لا شرع ولا حكم من العقل بحسن أو قبح؟ قلنا: معناه أن الفعل الذي لا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة محسنة أو مقبحة كأكل الفواكه مثلا ولا يحكم فيه بحكم خاص تفصيلي في فعل فعل فحكم العقل فيها على الإجمال أنها محرمة أو مباحة.
(١) أي: دليله.