[مسألة: في جواز النسخ لما قيد بالتأبيد]
[مسألة: في جواز النسخ لما قيد بالتأبيد]
  مسألة: اختلف في جواز النسخ فيما قيد بالتأبيد(١) فذهب بعض المتكلمين والجصاص(٢) والمَاتُرِيْدِي والدبوسي(٣) وغيرهم من الحنفية إلى منع نسخه مطلقاً، والجمهور على أنه يجوز إن كان التأبيد قيداً للفعل(٤) نحو:
(قوله): «فيما قيد بالتأبيد» أي: فيما اشتمل ذكره على ما يقيد بتأبيد الواجب أو الوجوب.
(قوله): «قيداً للفعل» بأن لا يصرح إلا بالفعل لا بالوجوب، فيكون المعنى الصوم المؤبد واجب في الجملة.
(١) أي: فيما اشتمل ذكره على ما يفيد تأبيد الواجب أو الوجوب، كذا في حاشية سعد الدين.
(*) صور التقييد بالتأبيد أربع؛ لأنه إما قيد للفعل وللحكم، وعلى كل فهو إما ظاهر أو نص، وإنما يمتنع النسخ اتفاقاً في صورة تأبيد الحكم نصاً، إذا عرفت ذلك فقول الشارح - أراد به العضد -: وإذا جاز ذلك مع قوة النصوصية لا يحسن في جميع صور النزاع. واعلم أن من منع النسخ قبل التمكن يلزمه أن يمنع النسخ مع تأبيد الفعل نصاً، كأن يقول الشارع للمكلف: الصوم إلى أن تموت عليك واجب؛ لأنه نسخ قبل التمكن؛ لأن وقت التمكن مدة الحياة، فلا نسخ قبل انقضائها لأنه قبل التمكن، ولا بعده، وهو ظاهر. وبعبارة أخرى وهو أنه قد وجب على المكلف حينئذ صوم آخر يوم من عمره فلا نسخ قبل انقضائه؛ لأنه قبل التمكن، وهذا مع وضوحه خفي على صاحب الغاية وغيره. (قال في الأم: عن خط السيد حسين الأخفش ¦). قوله: الصوم إلى أن تموت ... إلخ يقال: هذا غاية وليس بنسخ. اهـ لقائل أن يقول: هذا الالزام غير لازم مع تسليم أن تأبيد محل الحكم لا يستلزم تأبيده كما هو ظاهر عبارة المعترض؛ لأن النسخ إنما تطرق إلى الحكم الشرعي، وهو الوجوب في مثاله، ولا تأبيد فيه، بل هو مطلق، والتأبيد إنما هو في محل الحكم، أعني الصوم من حيث هو، ولا يتطرق إليه نسخ؛ من حيث إنه ليس حكماً شرعياً فليتأمل، والله أعلم. (من إفادة أحمد بن إسحق |).
(٢) وعلم الهدى والقاضي أبو زيد والشيخان ومن تبعهما. (فصول بدائع).
(٣) مخفف الموحدة.
(٤) المحكوم فيه لا للحكم. وقيل: لا يجوز؛ لأن الحكم إذا كان متعلقة مؤبداً كان مؤبداً؛ ضرورة عدم انفكاك المتعلق عن متعلقه، وإذا تأبد الحكم بتأبد متعلقة فهو كنسخ الحكم المؤبد سواء، فلا يتم قولكم: إنه بخلاف الصوم واجب مستمر أبداً مما كان التأبيد قيداً للحكم نفسه؛ لظهور أنه مثله بلا فرق، حتى قال: نعم إذا كان الأبد غير نص في الاستغراق كما هو الحق - لأن الأبد هو الزمان الطويل، فكأنه قيل: صم زماناً طويلاً، أو الصوم واجب زماناً طويلاً - كان مطلقاً وصح نسخ الأمرين؛ لأن المطلق ظاهر في آحاده لا نص كغد، فإذا ورد نسخ المطلق كشف عن عدم إرادة استغراق آحاده، وأن المراد ليس إلا ما صدق عليه أعم من كل الآحاد أو بعضها، حتى قال: وإن قلنا: إن أبداً مطلق لا نص في الاستغراق فلا شك في جواز نسخ ما قيد به فعلاً كان المقيد أو حكماً. (من شرح المختصر للجلال مع حذف يسير بما يختص تعلقه بالمختصر لا بهذا الشرح).