هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف التعادل والترجيح]

صفحة 654 - الجزء 3

[المقصد السابع: في التعادل والترجيح]

[تعريف التعادل والترجيح]

  (المقصد السابع) من مقاصد هذا الكتاب (في التعادل، وهو) في اللغة: التساوي، وفي الشرع: (استواء الأمارتين) عند المجتهد بحيث لا يثبت في إحداهما فضل على الأخرى (والترجيح، وهو) في اللغة: فضل في أحد جانبي المعادلة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام⁣(⁣١): «زن وأرجح» وفي الشرع: (تقوية إحدى الأمارتين⁣(⁣٢) على الأخرى لاقترانها) أي: إحدى الأمارتين


(قوله): «في اللغة فضل في أحد جانبي المعادلة» الفضل سبب الترجيح لا نفس الترجيح الذي هو فعل المرجح، والذي في شرح المختصر أنه في اللغة جعل الشيء راجحاً، قلت: والحديث ظاهر في فعل المرجح؛ إذ المعنى زن واجعل الثمن راجحاً.

(قوله): «تقوية إحدى الأمارتين» هذا التعريف ظاهر في فعل المرجح، فهو أولى من قولهم: اقتران الأمارة بما تقوى بها على معارضتها؛ لأن الاقتران سبب الترجيح لا نفس الترجيح.


(١) للوزان حين اشترى سراويل بدرهمين، وتمام الحديث: «فإنا معاشر الأنبياء هكذا نزن» ومعنى أرجح: زد عليه فضلاً قليلاً يكون تابعاً له. (من شفاء غليل السائل).

(٢) وخص الأمارتين بالتعارض لما اشتهر بينهم من امتناع تعارض الدليلين المفيدين للعلم، وفيه بحث؛ لأن التعارض إن كان عبارة عن التناقض فقد عرفت أن حقيقته اختلاف المتناقضين إيجاباً وسلباً مع اتفاقهما في الثماني الوحدات التي تقدم تفصيلها في المبادئ، وهذا كما يمتنع بين مدلولي الدليلين يمتنع بين مدلولي الأمارتين أيضاً؛ ضرورة أن الشارع لا يجمع بين إثبات الحكم ونفيه باعتبار زمان واحد وشخص واحد وشرط واحد ونحو ذلك إلا على جهة التخيير، ولا تعارض في التخيير، وإن كان التعارض عبارة عن توهم التعارض الذي هو تنافيهما في ذهن المجتهد فهو لا يستلزم التنافي في الخارج لا بين مدلولي الدليلين ولا بين مدلولي الأمارتين؛ لجواز ثبوت كل منهما في الخارج على وحدة تخالف وحدة الآخر، ولهذا لم يسوغوا الترجيح إلا عند تعذر الجمع، لكن تعذر الجمع لا يصحح إهدار أحدهما؛ لأن رجحان أمارة أحدهما إنما يستلزم قوة الظن بوقوعه لا بنفي مقابله إلا بعد تحقق اتفاقهما في كل وحدة، وقد عرفت امتناع وقوعه من الشارع، فإذاً الأصل ثبوت كل منهما على وضع وتقدير غير وضع الآخر وتقديره بقاء على كون الأصل عدم التعارض، فيبقى مدلول كل منهما ثابتاً؛ إذ الفرض أن كلاً من الأمارتين صحيح موجب للعمل، فلو أهدرت إحداهما مع صحتها كان ذلك تحكماً صرفاً، وحينئذ يجب الوقف حذراً من العمل بإحدى الأمارتين في محل الأخرى؛ إذ الفرض أن كلاً منهما على وضع وتقدير غير وضع الآخر وتقديره، مع التباس الأوضاع، فيكون كل منهما مشكوكاً في وضعه، والشك في أحد المتقابلين شك في الآخر لا يصح العمل به في أحدهما، فلا يصح قوله: فيجب تقديمها؛ ولما حققناه روي عن أبي علي منع الترجيح مطلقاً، وعن الباقلاني منعه فيما رجح بالظن. (من شرح العلامة الجلال على المختصر).