[فصل في التخصيص]
[جواز التخصيص للعام]
  مسألة: ذهب أكثر القائلين بالعموم إلى أن (التخصيص) للعام (جائز) خبراً كان العام أو إنشاء، وذهب شذوذ من الناس إلى أنه لا يجوز فيهما.
  وحجة الأكثرين المعقول والمنقول، أما المعقول: فلأن حاصل التخصيص يرجع إلى صرف اللفظ من جهة العموم الذي هو حقيقة إلى جهة الخصوص الذي هو مجاز، والتجوز غير ممتنع لا لذاته ولا لغيره.
  وأما المنقول فكثرة وقوعه، أما في الخبر فكقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٠٢]، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٤}[هود]، {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ٤٢}[الذاريات]، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: ٢٣]، مع تخصيصها؛ لأنه تعالى ليس خالقاً لذاته ولا قادراً عليها، ولأنها أتت على الجبال والأرض ولم تجعلها كالرميم، ولأنها لم تؤت السماء والأرض(١).
  وأما في الأوامر العامة فكقوله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ٥]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}[المائدة: ٣٨]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}[النور: ٢]، مع تخصيصها بعدم قتل أهل الذمة وقطع كل سارق(٢) وجلد كل زان، والنصوص العامة المخصوصة أكثر من أن تحصى؛ ولذلك لم يرد عام إلا وهو مخصوص غير قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ١٧٦}(٣) [النساء].
(قوله): «غير قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٨٢}[البقرة]» وغير ذلك مثل: الحمد لله رب العالمين.
(١) الأحسن لأنها لم تؤت من السماء والأرض؛ إذ هو مقتضى العموم، قال أبو زرعة في شرح الجمع في ذكر التخصيص بالحسي ما لفظه: نحو قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} لأنا نشاهد أشياء لم تؤت منها كالسماء وملك سليمان #.
(٢) لخروج مثل سارق بيت المال ومثل من يسرق المشترك بين السارق وغيره، وكذلك الجلد لخروج وطء أمة الابن والأمة المشتركة، فهذه الأشياء مخصصة فتأمل. (سحولي).
(٣) قد عرفت صحة هذا في الحاشية السابقة في المنقول عن السحولي.
(*) وفي حاشية: فيه أن العموم الغير المخصوص في القرآن كثير، وإن شئت فاقرأ الفاتحة.