[فصل: فيما لا يعلم صدقه ولا كذبه]
  وقد بين الخلاف في ذلك في مسألتين فقال:
[جواز التعبد بخبر العدل عقلاً]
  مسألة: (التعبد بخبر العدل جائز عقلاً) وهو اختيار أئمتنا $ وجمهور المتكلمين والفقهاء، وذهب جماعة من المتكلمين من البصريين والبغداديين إلى أن التعبد به لا يجوز عقلاً.
  واحتج للمذهب المختار بما أفاده قوله: (للقطع بجواز أن يعلم الله المصلحة فيه) أي: في التعبد به، وتجويز المصلحة فيه يستلزم جواز التعبد به، وهو ظاهر.
  (قيل) في الاحتجاج لمذهب المانعين له عقلاً: (لا تؤمن المفسدة) من اتباع الظن، فكم من مصاب من جهة ظنه.
  (قلنا) في الجواب عنه: ولا تؤمن أيضاً من عدم اتباعه، بل (مفسدة خلافه راجحة) على مفسدة اتباعه؛ لأن تلك مظنونة وهذه موهومة، والضرورة تقضي بأن اجتناب المفاسد المظنونة أولى من اجتناب المفاسد الموهومة.
  (قيل(١)) في الاحتجاج للمانعين ثانياً: (لو جاز) اتباع الظن في الفروع (لجاز)
(قوله): «التعبد بخبر العدل» قال في شرح المختصر: التعبد أن يوجب الشارع العمل بمقتضاه على المكلفين. وقيل: التعبد وجوب العمل بمقتضاه. وقد اعتمد المؤلف # هذا التفسير فيما يأتي في أول فصل الشرائط، فإنه قال: وشرائطه أي: التعبد بخبر الواحد ووجوب العمل به، فجعل وجوب العمل تفسيراً للتعبد، وقد بنى عليه في شرح المختصر في مسألة وقوع التعبد وقولهم فيما يأتي: وهو أي التعبد واقع سمعاً ... إلخ يؤيد هذا[١]؛ إذ ليس المراد أن إيجاب الشارع للعمل بمقتضاه دل عليه السمع أو السمع والعقل، بل المراد أن وجوب العمل بخبر الواحد دل عليه ذلك.
(قوله): «للقطع بجواز أن يعلم الله المصلحة فيه ... إلخ» هكذا في شرح الجوهرة، وهو مبني على التحسين، وقد استدل من لا يقول به كابن الحاجب وغيره على جوازه عقلاً بأنا لو فرضنا أن الشارع يقول للمكلف: إذا أخبرك عدل بشيء فاعمل بموجبه وعرضناه على عقولنا فإنا نعلم قطعاً أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال لذاته.
(١) قوله: «قيل في الاحتجاج لمذهب المانعين ... إلخ» قالوا: إنه وإن لم يكن ممتنعاً لذاته فهو ممتنع لغيره؛ لأنه يؤدي إلى تحليل الحرام وعكسه بتقدير كذبه، فإنه ممكن قطعاً، وذلك باطل، وما يؤدي إلى الباطل لا يجوز عقلاً. قلنا: إن قلنا: كل مجتهد مصيب فسقوطه ظاهر؛ إذ لا حلال ولا حرام في نفس الأمر، إنما هما تابعان لظن المجتهد ويختلف بالنسبة، فيكون حلالاً لواحد حراماً لآخر، وإن قلنا: المصيب واحد فقط فلا يرد أيضاً؛ لأن الحكم المخالف للظن ساقط عنه إجماعاً. (قسطاس).
[١] تفسير التعبد بالإيجاب أظهر، ولا مانع من أن يدل السمع على إيجاب الشارع العمل بمقتضاه فتأمل (ح عن خط شيخه).