هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في عدم تعارض الفعلين وفي تعارض الفعل والقول]

صفحة 57 - الجزء 2

  وما ذكره في القسم الثاني معارض بأنه إن لم يظهر قصد القربة فالندب؛ لأن صدوره عنه أغلب من المباح قطعاً، والحمل على الأغلب أولى من الحمل على القليل النادر، ولم يحمل على الوجوب لأنه أغلب منه أيضاً، ومع فرض الاستواء⁣(⁣١) ينتفي الوجوب بالأصل.

[الكلام في عدم تعارض الفعلين وفي تعارض الفعل والقول]

  (مسألة: الفعلان لا يتعارضان⁣(⁣٢)) أصلاً؛ لأنهما إما أن تتناقض أحكامهما أو لا، إن لم تتناقض كأن يكونا متماثلين كصلاة الظهر في وقتين، أو مختلفين يتصور اجتماعهما في وقت كالصوم والصلاة، أو لا يتصور اجتماعهما في وقت كصلاة الظهر والعصر - فلا خفاء في عدم التعارض؛ لإمكان الجمع بين أحكامهما.


(قوله): «وما ذكره» أي: ابن الحاجب «في القسم الثاني» وهو ما لم يظهر فيه قصد القربة.

(قوله): «لأنه» أي: الندب «أغلب منه» أي: من الوجوب.

(قوله): «ينتفي الوجوب بالأصل» أي: بأن الأصل عدم المنع من الترك. واعلم أنك قد عرفت بما ذكرناه فيما سبق أنه يؤخذ للمؤلف # من جوابه على ابن الحاجب اختيار الندب فيما لم يعلم وجهه، اللهم إلا أن يقال: قد يجاب بما لم يكن مذهباً للمجيب. ويؤخذ منه الجواب عما استدل به الإمام الحسن # للقائل بالوقف كما عرفت أيضاً. وقد أجاب الإمام المهدي # على ابن الحاجب في قوله: إنه يتعين الإباحة فيما لم يظهر فيه قصد القربة بأنه يحتمل أن يكون الفعل خاصاً بالنبي ÷ حيث قال: ونحن نقول: لا يتعين لذلك؛ لجواز اختصاصه به. وقد أجيب عن ذلك بأن الاختصاص به ÷ مفتقر إلى دليل، ولا دليل على ذلك؛ فلذا ترك المؤلف # ما ذكره الإمام المهدي #.

(قوله): «إن لم تتناقض ... إلخ» لم يتعرض المؤلف # هنا لتعريف الخلافين والمثلين وتمايزهما في الماهية كما ذكروه في بحث هل الأمر بالشيء نهي عن ضده، بل تعرض لما هو المقصود هنا، وهو اشتراكهما في حكم لهما، وهو عدم تناقض أحكامهما. وقد ذكر بعض المحققين في تعريفهما أن الشيئين إن اختلفا في الحقيقة وأمكن اجتماعهما وارتفاعهما فخلافان كالسواد والحلاوة. وإن اتفقا في الحقيقة وأمكن ارتفاعهما لا اجتماعهما فمثلان؛ إذ لو اجتمعا في محل لقبل ذلك المحل الضدين؛ فإن القابل للشيء لا يخلو عنه أو عن مثله أو ضده، فلو قبل المثلين لجاز وجود أحدهما في المحل مع انتفاء الآخر، فيخلف الآخر ضده، فيجتمع الضدان، وهو محال. وأما الخلافان فيجتمعان ولا محذور كالسواد والحلاوة؛ لأنها لو انتفت الحلاوة لخلفها الضد كالحموضة، وذلك صحيح.

(قوله): «كصلاة الظهر والعصر» ظاهر العبارة أنهما من المختلفين لاختلاف المتعلق، وظاهر إطلاق الفصول حيث قال: فإن كانا متماثلين كصلاتين، والجوهرة حيث قال: فالمماثلة كالصلاة في وقت ثم صلاة أخرى مثل في ذلك الوقت يشعر بأنهما متماثلان فينظر⁣[⁣١].


(١) في الاتصاف بالغلبة بالنسبة إلى المباح لكن المندوب أغلب من الوجوب كما ذكر.

(٢) التعارض بين الأمرين تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه. (أصفهاني على المنهاج).


[١] أما مع تصريح صاحب الجوهرة بقوله: «في مثل ذلك الوقت» فلا إشعار، وقوله في الفصول: «كصلاتين» يشعر باتحاد المتعلق؛ إذ الأصل عدم الاختلاف، والله أعلم. (حسن بن يحيى ح).