هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[مسألة: في التعبد بالقياس]

صفحة 245 - الجزء 3

[مسألة: في التعبد بالقياس]

  (مسألة:) اتفق العلماء على أن القياس حجة في الأمور الدنيوية، واختلفوا (في التعبد به) في الشرعية على أقوال، فمنها: (الوجوب عقلاً وسمعاً) يعني أن


(قوله): «اتفق العلماء على أن القياس حجة في الأمور الدنيوية» كما في شرح الجمع؛ فإنه قال فيه: اتفق العلماء كما قال الإمام في المحصول على أن القياس حجة في الأمور الدنيوية كالأدوية والأغذية والأسفار. ولم يذكر ذلك في شرح المختصر ولا صاحب الفصول.

(قوله): «واختلفوا في التعبد به في الشرعية» قال في شرح المختصر: التعبد بالقياس هو أن يوجب الشارع العمل بموجبه. قال في حواشيه: هذا مخالف لصريح كلام الآمدي والشارحين ومضمون أدلة الفرق؛ فإنهم مطبقون على أن معناه إيجاب الشارع القياس وإلحاق الفرع بالأصل، وذلك على المجتهد خاصة، وبالمعنى الذي ذكره الشارح عليه وعلى سائر المكلفين، فكان هذا أقرب إلى مقاصد الفن مثل ما سبق من كون الإجماع حجة يجب العمل بمقتضاه، وكذا خبر الواحد ونحو ذلك. قلت: وفي كلام المؤلف # ما يدل على الكلامين؛ ففي شرح قوله: ولمثل ما سبق في خبر الآحاد ما يدل على كلام الآمدي حيث قال⁣[⁣١]: لما تقرر من أن المراد بالتعبد بالقياس إيجاب الشارع العمل بموجبه، وفي شرح قوله: والنص على العلة غير كاف في التعبد به ما يدل على كلام شرح المختصر حيث قال: وإيجاباً للعمل بموجبه، والله أعلم.

(قوله): «الوجوب عقلا وسمعاً ... إلخ» اعلم أن المؤلف اعتمد في هذا المقام على نقل ما ذكره في الفصول، فجعل التعبد بالقياس واجباً عقلا وسمعاً ونسب ذلك إلى أبي الحسين والشيخ الحسن وحفيده، ثم قال: أو سمعاً فقط ونسبه إلى جمهور أئمتنا والمتكلمين، وقد عرفت أن التعبد بالقياس معناه إيجاب الشارع العمل بموجبه أو إيجاب الشارع على المجتهد إلحاق الفرع بالأصل على الخلاف في تفسيره، فيكون المعنى أن إيجاب الشارع للقياس على المجتهد أو إيجابه للعمل بمقتضاه واجب سمعاً، وهذا معنى غير مستقيم ولا مراد لمن نسب إليه كما لا يخفى، وقوله: فاعتبروا وإجماع الصحابة وخبر ابن مسعود ومعاذ لا تدل على هذا المعنى كما لا يخفى، وإنما تدل على وقوع التعبد بالقياس ووجوب العمل بمقتضاه، وما نقله في الفصول وتبعه المؤلف # عن أبي الحسين فإنهم ذكروا أنه يستدل على وجوب العمل بالقياس بالعقل والسمع لا على وجوب التعبد به بمعنى إيجاب الشارع العمل بموجبه وإلحاق الفرع بالأصل، وبيان المقام أن هاهنا مسألتين كما ذكره ابن الحاجب وغيره: المسألة الأولى: التعبد بالقياس، وحاصل الخلاف فيها أن يقال: التعبد بالقياس إما أن يكون جائزاً أو ممتنعاً أو واجباً، وقد قال بكل منها قائل، فعند القفال وأبي الحسين: يجب عقلا، وعند النظام وبعض المعتزلة يمتنع، وقيل: يجوز، وهذا هو الذي اختاره ابن الحاجب واستدل له بأنه لو فرض أن يقول الشارع: إذا وجدت مشاركة فرع لأصل في علة حكمه فأثبت فيه حكمه واعمل به أيها المجتهد لم يلزم منه محال لنفسه ولا لغيره، وأيضاً لو لم يجز لم يقع، وقد وقع. قال الإمام المهدي: ولأن التكليف بالظن قد تتعلق به المصلحة فجاز التعبد به. واستدل ابن الحاجب لمن قال: يجب التعبد به عقلا كأبي الحسين بأنه لولا القياس لخلت وقائع، فيجب على الشارع إيجاب العمل بالقياس، وأجاب في الحواشي بأن ذلك مبني على وجوب شيء على الله تعالى وعلى امتناع خلو الواقعة عن الحكم، قال: ونحن لا نقول به، ولو سلم ذلك فالعمومات يجوز أن تفي بالأحكام كلها، نحو كل مسكر حرام ونحو ذلك، =


[١] الظاهر أن هذا موافق لتفسير شارح المختصر أيضاً، والله أعلم. (السيد محسن بن إسماعيل الشامي ح).