[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]
[اشتراط العدالة في الجارح والمعدل]
  مسألة: (و) الجرح والتعديل (إنما يقبلان من عدل) إجماعاً لعدم الوثوق بغيره.
  والطريق إلى العدالة الاختبار بغير واسطة أو بواسطة اختبار المختبِر، ونعني بالاختبار معرفة أحوال المعدَّل في حالتي الرضا والغضب والسرور والحزن فإن وقف في الحالتين على ما عرفت من ماهية العدالة فهو عدل وإلا فهو غير عدل.
  (وإذا تعارضا(١) فالجرح مقدم) على التعديل مطلقاً(٢) (وقيل: لا) ترجيح لأيهما مطلقاً، فيطلب الترجيح بخارج، وهو ظاهر إطلاق والدنا المنصور بالله قدس الله روحه؛ لأنه قال(٣): فإن تعارض الجرح والتعديل بالشهادة فالترجيح
(قوله): «الاختبار» يعني لمن لم يشتهر بها أو بعدمها.
(قوله): «بغير واسطة» بأن يكون المعدل هو المختبر بالكسر.
(قوله): «أو بواسطة اختبار المختبر» بكسر الباء الموحدة، فالمعدل هنا ليس هو المختبر، بل هو مستند في تعديله إلى قول المختبر. وأما ضبطه بفتح الباء فإنما يستقيم إذا جعل إضافة الاختبار إليه من الإضافة إلى المفعول، وفيه خفاء.
(١) قوله: «وإذا تعارضا فالجرح مقدم» سواء كان الجرح مبين السبب أو مطلقاً وقلنا بقبوله فالصحيح من المذاهب في المسألة أن الجرح مقدم مطلقاً، سواء كثر الجارح أو المعدل أو استويا، وبه جزم الماوردي والروياني وابن القشيري وقال: نقل القاضي فيه الإجماع، ونقله الخطيب والباجي عن جمهور العلماء. وقال الإمام الرازي والآمدي وابن الصلاح: إنه الصحيح؛ لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، فهو موافق له على أن ظاهره كذلك ومخبر بما خفي عن المعدل. قال ابن دقيق العيد: هذا إنما يصح على اعتقاد أن الجرح لا يقبل إلا مفسراً، أي: فإن قبلناه مجملاً فالأقوى حينئذ أن نطلب الترجيح؛ لأن قول كل من الجارح والمعدل ينفي ما يقوله الآخر، قال: وبشرط آخر، وهو أن يبني الجرح على آمر مجزوم به لا بطريق اجتهادي كما اصطلح أهل الحديث في الاعتماد في الجرح على اعتبار حديث الراوي مع اعتبار حديث غيره، والنظر إلى كثرة الموافقة والمخالفة والتفرد والشذوذ. (من شرح ألفية البرماوي في الأصول).
(*) قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيح الأنظار ما لفظه: واعلم أن التعارض بين التعديل والتجريح إنما يكون عند الوقوع في حقيقة التعارض، أما إذا أمكن معرفة ما يرفع ذلك فلا تعارض البتة، مثال ذلك أن يجرح هذا بفسق قد علم وقوعه منه ولكن علمت توبته أيضاً، والجارح جرح قبلها.
(٢) كثر المعدل أم لا.
(٣) في آخر مقدمته في أصول الفقه.