هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في ذكر العام]

صفحة 652 - الجزء 2

[حكم العام المخصص بمبين]

  مسألة: اختلف في العام المخصص بمبين⁣(⁣١) هل يصح الاحتجاج به بعد التخصيص مع الاتفاق على أن المخصص بمجمل نحو قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}⁣(⁣٢) [المائدة: ١] لا يبقى حجة فيما بقي؛ لأن كل فرد يجوز فيه أن يكون مخرجاً وأن لا يكون. كذا قيل.

  وفي حكاية الاتفاق نظر؛ فإن ابن برهان في الوجيز حكى الخلاف⁣(⁣٣) في هذه الحالة وصحح العمل به مع الإبهام، قال: لأنا إذا نظرنا إلى فرد شككنا فيه هل هو من


(١) قال البرماوي في شرحه لألفيته بعد ذكر المسألة الأولى - أعني كون العام المخصص مجازاً أم حقيقة - ما لفظه: فائدة الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة الآتية، فمن يقول: حقيقة يقول: إنه يحتج به في الأفراد الباقية، ومن يقول: مجاز فلا إلا لقرينة تدل على بقاء الحكم فيها. اهـ والصواب أنهما مسألتان مختلفتان ولا تلازم بينهما؛ إذ لا يلزم من القول بأن العام بعد التخصيص مجاز أن لا يكون حجة بعد التخصيص؛ فإن الاستدلال بالمجازات شائع ذائع في الكتاب والسنة، بل ربما كانت دلالتها أقوى من الحقيقة. ومما يوضح عدم التلازم أن الجماهير من العلماء ذهبوا إلى أن العام المخصص مجاز في الباقي مع ذهابهم إلى أن العام المخصص بمبين يكون حجة، ويوضحه أيضاً أن القول بأن العام المخصص مجاز في الباقي في أعلى درجات القوة والصحة والوضوح كما لا يخفى على متأمل أدلته، والقول بأن العام المخصص بمبين ليس بحجة في أسفل درجات الضعف والفساد كما لا يخفى على متأمل شبهته، فتقرر بهذا عدم التلازم بين المسألتين، وأن بينهما أوضح فرق.

(٢) وفي حواشي الفصول: «اقتلوا المشركين إلا رجلاً، وأهل الذمة إلا واحداً». (معيار).

(٣) في حاشية ابن أبي شريف أن السبكي نقل عنه - يعني ابن برهان - ما ذكره هاهنا من الوجوه بلا مخالفة إلا في قوله: «إلى أن يعلم» فإن بدله هناك: «إلا أن يبقى فرد» ثم عقبه بما لفظه: قال في شرح المختصر: فهذا منه تصريح بالإضراب عن التخصيص بالمبهم والانسحاب عن العمل بصور العام كلها المخصص وغيره، وهو ناب عن قواعد الشرع وترك للدليل المخصص بلا موجب، ويلزم عليه أن من طلق إحدى امرأتيه يطأهما جميعاً، وأن من اشتبه عليه إناء طاهر بإناء نجس يستعملهما جميعاً، ولا نعلم أحداً من أصحابنا قال به، ولو قيل: يحتج به إلى أن يبقى⁣[⁣١] فرد فلا يحتج به فيه كان على ضعفه أوجه. اهـ فقوله: «ولو قيل ... إلخ» يؤذن بأنه لم يقل، وقول الشارح: وأجيب بأنه يعمل به إلى أن يبقى⁣[⁣١] فرد يوهم أنه قد قيل، وأنه مرضي عند المصنف، وليس كذلك. والحاصل: أن نقل ابن برهان وغيره الخلاف معتمد، وأن ترجيحه حجية العام المخصص بمبهم في كل أفراده غير معتمد. واعلم أن الذي ينبغي أن يعتمد ترجيحه في المسألة ما قلناه عن الأكثر، وهو أن المخصص بمبين ... إلخ. (من الحاشية المذكورة بلفظها). والله أعلم.


[١] في المطبوع: «أن لا يبقى» في الموضعين. والمثبت من حاشية ابن أبي شريف.