هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الكلام في التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه في وقته]

صفحة 725 - الجزء 1

[الكلام في التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه في وقته]

  مسألة: في بيان أن العالِم بفوات شرط وقوع المأمور به في وقته هل يصح أن يأمر به أم لا؟ كأمره تعالى لزيد بالصوم غداً مع علمه بأنه يموت قبله، فذهب أصحابنا والمعتزلة والجويني إلى امتناعه، وهذا ما أريد بقوله: (لا تكليف⁣(⁣١) بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه وقته⁣(⁣٢)) وذهب الجم الغفير من الأشاعرة إلى جوازه. أما مع جهل الآمر بانتفاء شرط وقوعه عند وقته كأمر السيد لعبده بخياطة الثوب في الغد فلا خلاف في جوازه.

  احتج أصحابنا أولاً بما أفاده بقوله: (لأنه) أي: الأمر بما هذا حاله (أمْرُ من لا يقدر) على الامتثال لما كلف به، وأمر من لا يقدر مع العلم بأنه لا يقدر قبيح؛ لأنه تكليف بما لا يطاق كما سبق.


(قوله): «كأمره تعالى لزيد بالصوم ... إلخ» كأن المؤلف # أشار بهذا المثال إلى ما ذكره في الفصول وشرحه من أن الامتناع عند المعتزلة فيما ذكر إنما هو فيما كان التكليف خاصاً بذلك الذي علم انتفاء شرط وقوعه، وأما فيما كان عاماً لا يختص بذلك الذي علم موته قبل الوقت فإنه إنما يمتنع عند بعض المعتزلة، وهم البصرية، وأما البغدادية فأجازوه، كصوموا غداً مع علم الآمر بموت بعض. قال في شرح الفصول: قيل: لأن أكثر أوامر الله تعالى كذلك، فإن بعض المكلفين يموت قبل التمكن. وفيه أن من منع لا يسلم أن الذي مات قبل التمكن مكلف. قال بعض شراح الفصول: فعلى قول البصرية لا يكون الكفار الذين علم الله موتهم على الكفر مخاطبين بطلب الإيمان ولا غيره كما هو رأي الحنفية، وتكون صيغة العموم الواردة⁣[⁣١] بالتكليف العام مراداً بها الخصوص مجازاً [أو على الاشتراك]⁣[⁣٢] كما يأتي.

(قوله): «بما علم الآمر ... إلخ» لم يتعرض لعلم الآمر والمأمور وجهلهما؛ لأن الأول متفق على منعه، والثاني متفق على جوازه.


(١) قيل: منشأ الخلاف في هذه المسألة - أعني مسألة التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه - أن فائدة التكليف هي الامتثال فقط أو أحد الأمرين هو أو الابتلاء، فمن قال بالأول منع التكليف مع علم الآمر بما ذكر، ومن قال بالثاني جوزه لحصول الابتلاء؛ ولهذا اتفق⁣[⁣٣] على الامتناع مع علمهما؛ لانتفاء الفائدتين. (شيخ لطف الله على الفصول).

(٢) أي: عند دخول وقته.


[١] في المطبوع: واردة. والمثبت من نظام الفصول.

[٢] ما بين المعقوفين من نظام الفصول للجلال.

[٣] في شرح الفصول: اتفقوا.