النوع الثالث من الاعتراضات: وهو الوارد على حكم الأصل
النوع الثالث من الاعتراضات(١): وهو الوارد على حكم الأصل
  ولا مجال للمعارضة فيه(٢)؛ لما مر(٣)، فتعين المنع إما ابتداء أو بعد تقسيم، فانحصر بحسب الوجود في صنفين، أولهما: (منع(٤) حكم الأصل) نحو أن يقول: جلد الخنزير لا يقبل الدباغ للنجاسة الغليظة كالكلب، فيقال: لا نسلم، أو لم قلت: إن جلد الكلب لا يقبل الدباغ؛ لأن حاصل منع حكم الأصل (طلب دليله) ككل منع كما سلف (وهو مسموع، ولا قطع بمجرده في الأصح)(٥) أما كونه مسموعاً فلأن غرض المستدل لا يتم مع منعه، وقال الشيخ
(قوله): «لما مر» من كونه غصباً لمنصب الاستدلال، فينقلب المستدل معترضاً والمعترض مستدلا.
(قوله): «فلأن غرض المستدل» وهو إقامة الحجة على خصمه لا يتم مع كون أصله ممنوعاً؛ لأنه جزء الدليل، ولا يثبت الدليل إلا بثبوت جميع أجزائه.
(١) ما يرد على المقدمة الأولى من القياس، وهي دعوى حكم الأصل. (عضد).
(٢) يعني: ليس للمعترض المعارضة في حكم الأصل ونصب الدليل على انتفائه.
(٣) من كونه غصباً لمنصب الاستدلال فينقلب المستدل معترضاً والمعترض مستدلاً.
(٤) وفي جواز المنع المذكور الخلاف المذكور في اشتراط الإجماع على حكم الأصل كما تقدم، ولكن المصنف لما اختار الجواز أشار بقوله «والصحيح أنه ليس قطعاً للمستدل» إلى مذهب مشترط الإجماع عليه، فإنه يقول: منعه بمجرده قطع للمستدل، ولهذا لا يصح للمعترض المعارضة فيه بالاتفاق، ما ذاك إلا لأنها تستلزم الانتقال عن المطلوب إلى غيره، وأما ما قيل من أن امتناعها لكونها غصباً للمنصب لانقلاب المعترض مستدلاً فمستلزم عدم صحتها، وصحة النقض مطلقاً، وذلك نقض للدليل المذكور على منعها في حكم الأصل؛ لوجوده [يعني: الدليل] في غيره. (مختصر وشرحه للجلال).
(٥) والصحيح أنه ليس قطعاً للمستدل بمجرد هذا المنع؛ لأن منع حكم الأصل كمنع مقدمات من مقدمات القياس؛ لأن حكم الأصل مقدمة من مقدمات القياس، فيكون منعه كمنع سائر مقدماته، فكما أن المستدل لا ينقطع بمنع أيها بل يجب عليه إثباتها بالدليل باتفاق فكذا يجب عليه إثبات حكم الأصل به، وقيل: ينقطع المستدل بمنع حكم الأصل؛ لأنه لو لم ينقطع فإما أن يشرع في الدلالة على حكم الأصل أو لا يشرع فإن لم يشرع في الدلالة عليه لم يتم دليله على مقصوده، وإن شرع فيها فقد انتقل من مسألة إلى أخرى؛ لأن المقصود من القياس إثبات حكم الفرع، فقد ترك ما كان بصدد الدلالة عليه وعدل إلى إثبات حكم الأصل، فيكون انتقالاً من مسألة إلى أخرى، ولا معنى للانقطاع سوى هذا. (شرح مختصر للخبيصي).