هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب السادس من المقصد الرابع في) مباحث (الناسخ والمنسوخ)

صفحة 201 - الجزء 3

  العامل به قبل الإجماع، بخلاف رفع الثابت بالظني من الكتاب والسنة بالنص القطعي فإن العامل بالظني قبل نسخه بالقطعي مصيب.

  وقوله: (ولما تقدم) حجة أخرى للجمهور، وهي ارتفاع النسخ بارتفاع الوحي⁣(⁣١)، والإجماع معصوم عن مخالفة دليل شرعي من الكتاب والسنة لا معارض له منهما، فما وجدناه من الإجماع مخالفاً لهما حكمنا بتضمنه للناسخ إن لم يمكن الجمع بالتأويل.

  (وقيل:) إنه يجوز أن (ينسخ) أي: يكون ناسخاً لغيره، وهذا القول حكاه في الفصول عن أبي علي الجبائي والقاضي عبد الجبار وابن أبان وأبي الحسين الطبري وأبي عبدالله البصري، وحكاه البيهقي في المدخل⁣(⁣٢) عن الشافعي، وفي نسبة هذا القول إلى أبي عبدالله البصري نظر؛ لأن السيد أبا طالب ¥ حكى عنه المنع من النسخ به، وهو بمذهب شيخه أعرف، ولم يحك الجواز إلا عن عيسى بن أبان ونفر تابعوه، واختار صاحب فصول البدائع من متأخري الحنفية جواز نسخ الإجماع بالإجماع، وأما غيره فلا يكون ناسخاً له ولا منسوخاً به.

  وحجة القائلين بالجواز ما أشار إليه بقوله: (لما تقدم) من حدوث الإجماع بعد الاختلاف (تقريراً وجواباً)⁣(⁣٣) فلا نطول بإعادته.


(١) أي: لا نسخ بعده عليه الصلاة والسلام؛ إذ لا هداية لهم إلى معرفة انتهاء تعلق المصلحة بالحكم؛ لكون ذلك بالوحي، وقد انقطع بموته عليه الصلاة والسلام، فلا نسخ. (شرح غاية لجحاف).

(٢) ضبط في بعض النسخ بفتح الميم والخاء، وضبط في نسخ سيلان بضم الميم وكسر الخاء.

(٣) من أن الأمة إذا اختلفت على قولين في مسألة ثبت كونها اجتهادية سائغ لكل العمل فيها برأيه، وإذا اتفقوا على أحد القولين كان إجماعاً لا يسوغ فيها الاجتهاد، فيكون ناسخاً للحكم المتقدم. وجوابه ما مر من أن الحكم الأول مشروط بعدم ظهور القاطع، وبطلانه لبطلان شرطه ليس بنسخ، وأما أن الإجماع يخصص به فلا مانع منه. (شرح الغاية لجحاف).