هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[تعريف الاجتهاد]

صفحة 568 - الجزء 3

  التحديد ركنا الاجتهاد، وهما المجتهد، والمجتهد فيه، فالمجتهد فيه حكم شرعي فرعي ظني عليه دليل، فالقيد الأول فصله عن العقلي والحسي⁣(⁣١) والثاني عن الكلامي والأصولي، والثالث عن ضروريات الدين وسائر القطعيات، والرابع يفيد أن ثبوت لا أدري لا ينافي الاجتهاد.


(قوله): «والمجتهد فيه هو حكم شرعي فرعي ... إلخ» لم يذكر في شرح المختصر قيد الفرعية لا في تعريف الاجتهاد ولا هنا استغناء عنه بقيد الظن، وزاده المؤلف في الموضعين كما في الفصول، وجعل فائدته إخراج الكلامي والأصولي، ولم يستغن في إخراجهما بقيد الظن، ولعله مبني على أن المسائل الأصولية قد تكون ظنية كما صرح به صاحب الفصول في حد أصول الفقه حيث قال: وهي قطعية وظنية، وقرره شارحه العلامة لطف الله |، وأيضاً قد يكون دليل الحكم العقلي ظنياً كما سيأتي نقلا عن الفصول، وهو مقتضى كلام الإمام المهدي # في المنهاج في بحث التصويب، وحينئذ فلا بد في إخراج المسائل الأصولية الظنية من قيد الفرعية، وهو مبني على أنه لا يجري فيها الاجتهاد لا في المسائل الكلامية الظنية كما صرح به في حواشي الفصول، قال: كما لا يجوز فيها التقليد فلا تسمى اجتهادية، بل يختص الاجتهاد بالأحكام الفقهية، فعلى هذا تخرج بقيد الفرعية المسائل الأصولية والكلامية التي ليست بفرعية سواء كانت قطعية أو ظنية، ويكون قيد الظن في عبارته # لإخراج الفقهية القطعية وأصول الشرائع والقطعية الفرعية من الأصولية والكلامية كفسق من خالف الإجماع؛ لتفرعه على كونه حجة، ومسألة الشفاعة للمؤمنين؛ لتفرعها على ثبوت أصل الشفاعة، لكن يرد أن بعض مسائل الأصول قد يكون فرعياً ظنياً، ككون دلالة العموم ظنية، وكمسألة هل العام بعد تخصيصه حقيقة أو مجازاً، فإنهما فرع ثبوت ألفاظ العموم في اللغة، وكذا غيرهما من مسائل أصول الفقه وغيره مما يكفي فيه الظن وهو فرعي، ومثل ذلك لا يسمى اجتهاداً كما عرفت مع دخوله فيما ذكره المؤلف #، ولعل الوجه في عدم ذكر قيد الفرعية في شرح المختصر أنه مبني على اشتراط العلم في مسائل الأصول والاعتقاد، فيغني قيد الظن عن ذلك. فإن قيل: إن المؤلف # أخرج المسائل الكلامية والأصولية كلها بقيد الفرعية، وظاهره أنها غير خارجة بقيد الشرعية وأنها شرعية، وليس كذلك، فإن من المسائل الكلامية ما هو عقلي محض غير متوقف على شرع، بل لا يصح أن يثبت بالشرع، وكذا في مسائل الأصول ما دليله لغوي كدلالة الألفاظ، بل منها ما هو عقلي ككون الشيء واجباً حراماً من جهتين مع اتحاد المتعلق، قلنا: نعم قد اعتمد المؤلف # في تعميم تسمية المسائل الكلامية والأصولية ما ذكروه في حد أصول الفقه، قال في شرح المختصر: الأحكام قد تؤخذ من الشرع، وتلك إما اعتقادية لا تتعلق بكيفية عمل وتسمى أصلية، وتبعه الشيخ العلامة في شرح الفصول حيث قال: الشرعية إما اعتقادية لا تتعلق بكيفية عمل، وهي مسائل أصول الدين وأصول الفقه، وتسمى أصلية، قلت: فلذا لم يخرجوا بقيد الشرعية في حد أصول الفقه شيئاً من الكلامية والأصولية. وقد وجه السيد المحقق ما ذكره في شرح المختصر من التعميم حيث قال: وفي قوله: وتلك إما اعتقادية إشارة إلى أن الاعتقاديات وإن استقل بإثباتها العقل يجب أخذها من الشرع ليعتد بها انتهى. وقد اعتمد الإمام الحسن # في القسطاس ما ذكره السيد المحقق، فتأمل فيما ذكرنا فهو بحث نفيس، والله أعلم.

(قوله): «عن ضروريات الدين» كالأركان الخمسة.

(قوله): «والرابع» أي: قوله عليه دليل.

(قوله): «يفيد أن ثبوت لا أدري لا ينافي الاجتهاد» إذ لم يشترط أن يظن المجتهد الحكم عن الدليل، بل يكفي مجرد قيام الدليل على الحكم الظني بعد استفراغ الوسع، فاجتهاد من قال: لا أدري داخل في الحد.


(١) العقلي كالحكم بأن الضدين لا يجتمعان، والحسي كالحكم بأن النار محرقة.