هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: فيما لا يعلم صدقه ولا كذبه]

صفحة 303 - الجزء 2

[فصل: فيما لا يعلم صدقه ولا كذبه]

  (فصل: وما لا يعلم صدقه ولا كذبه) من الأخبار له ثلاثة أحوال شملها قوله: (قد يظن صدقه كخبر العدل، و) قد يظن (كذبه كخبر) الواحد (الكذوب) أي: المعروف بالكذب المكثر فيه، (و) قد (يشك) فيه فلا يترجح صدقه ولا كذبه (كالمجهول) حاله.

  (وقطع بعض الظاهرية بكذب ما لا يعلم صدقه، وهو بَهْتٌ) أي: قول باطل يتحير من بطلانه. وما استدلوا به على قولهم الباطل - من أنه لو كان صدقاً لنصب عليه دليل كخبر مدعي الرسالة، فإنه إذا لم تظهر له معجزة تصدقه قطع بكذبه - باطلٌ؛ لأنا⁣(⁣١) نعلم بالضرورة وقوع الإخبار بالنقيضين من غير علم بأيهما، والنقيضان يمتنع كذبهما⁣(⁣٢).

  إذا عرفت ذلك فما يظن كذبه لا يجوز التعبد به إجماعاً، والمشكوك فيه كذلك إلا ما يروى⁣(⁣٣) عن أبي حنيفة من قبول قول المجهول عملاً بظاهر الإسلام.

  وأما ما يظن صدقه فقد اختلف العلماء في جواز التعبد به عقلاً ووقوعه سمعاً،


(قوله): «بالضرورة» دفع لما يقال: الإخبار بالشيء ونقيضه من مجهولي الحال غير واقع كما ذكره السعد.

(قوله): «من غير علم بأيهما، والنقيضان يمتنع كذبهما» المراد أنه إذا أخبر مجهول الحال بخبر ومجهول الحال بنقيضه من غير دليل يدل على صدق أحدهما لزم كذبهما قطعاً، وهذا ارتفاع للنقيضين، وهذا معنى ما في شرح المختصر.


(١) في المطبوع: فإنا.

(٢) وأيضاً فإنه يلزم العلم بكذب كل شاهد؛ إذ لا يعلم صدقه بدليله، والعلم بكذب كل مسلم في دعوى إسلامه؛ إذ لا دليل على ما في باطنه، وذلك باطل بالإجماع والضرورة، وأما القياس على خبر مدعي الرسالة فلا يصح؛ لأنه لا يكذب لعدم العلم بصدقه، بل للعلم بكذبه؛ لأنه بخلاف العادة، فإن العادة تقضي فيما خالفها أن يصدق بالمعجز. (عضد).

(*) أي: فكيف تقول الظاهرية ما لا يعلم صدقه يقطع بكذبه مع أن النقيضين لا يعلم صدق أحدهما مع عدم القطع بكذبه؟

(*) أما القطع بكذب مدعي الرسالة فللعادة الجارية بأنه لو كان صدقاً لنصب عليه دليلاً، فيعلم بذلك كذبه؛ لأنه إخبار عن الله تعالى، والعادة جارية فيه بنصب الدليل وإلا علم كذبه، بخلاف الإخبار عن غير الله لعدمها، فالاحتمال معلوم حصوله. (شرح ابن جحاف).

(٣) (قوله: إلا ما يروى عن أبي حنيفة) لعل أبا حنيفة يجعل ظاهر الإسلام يفيد الظن، فلا يكون عملاً بالمشكوك. (من خط السحولي).