(الباب الأول في الأخبار)
  منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه كذلك لرفضوه. وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً لله وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِمْ فيه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم يَنْقُص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شيء موضعه، وعرف متشابهه ومحكمه. وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلام له وجهان: فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ولا ما عنى به رسول الله ÷ فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قُصد به وما خُرِج من أجله(١)».
  وإذا كان هذا الكلام فيمن رأى رسول الله ÷ وسمع منه فما ظنك بمن بعدهم مع قوله ÷ فيما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي: «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن»؟
(قوله): «ويظهر فيهم السمن» قال في النهاية: السمن التكثر بما ليس فيهم[١] والادعاء لما ليس لهم من الشرف. وقيل: المراد جمع الأموال. وقيل: محبة التوسع في المآكل والمشارب التي هي أسباب السمن.
(١) هذا آخر كلام علي #، وفي هذا المنقول شيء من المخالفة في اللفظ لما في النهج وحذف لشيء لا يخل بالمعنى. (جمال الدين الطبري |). تمامه: «وليس كل أصحاب رسول الله ÷ كان يسأله ويستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطارئ فيسأله # حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي شيء من ذلك إلا سألت عنه وحفظته. هذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم». اهـ وفي آخر كلامه # تنبيه منه على أنه معيار الحق، وكلامه وفعله الفارق بين الحق والباطل فيجب الرجوع إليه، وأنه الرجل الرابع كما قال ابن الجوزي في كتابه ذخيرة الصابرين بعد إيراده لكلام أمير المؤمنين هذا: وإنما دل بهذا على نفسه.
[١] لفظ النهاية: يتكثرون بما ليس عندهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف.