هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]

صفحة 343 - الجزء 2

  «خير القرون⁣(⁣١) قرني ..» الحديث المتقدم⁣(⁣٢).

  وثانيها قوله: (وقيل:) هم (كغيرهم) ممن بعدهم من القرون فيهم العدل وغير العدل⁣(⁣٣)، وهذا قول القاضي أبي بكر الباقلاني، وذلك (لما كان بينهم من


(قوله): «وقيل هم كغيرهم» اختيار شارح الفصول، قال: وهو الإنصاف؛ لقوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}⁣[آل عمران: ١٥٢]، ولحديث فيحلؤون⁣[⁣١] الثابت في الصحيح، ولأنه قد نص المحدثون على فسق الوليد وبسر بن أرطأة وغيرهما فلا بد من التعديل، إلا من كانت عدالته ظاهرة أو مقطوعاً بها كأمير المؤمنين كرم الله وجهه وغيره من أفاضل الصحابة.


(١) وقوله ÷: «لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهباً لما نال مد أحدهم ولا نصيفه» وهذه وإن كان ظاهرها التعميم كما هو رأي الأشاعرة وبه يحتجون فإن الخبر المشهور المتواتر بنص أهل الحديث - وهو قوله ÷: «تقتلك الفئة الباغية»، وكذا قوله ÷ لعلي كرم الله وجهه: «تقاتل القاسطين والناكثين والمارقين» ونحو ذلك مما يفيد العلم عند من له بحث في السير والآثار مما يدل على بغي من قاتل علياً # وفسقه يقتضي تخصيص ظاهر تلك الآيات والأحاديث بمن لم يحاربه كرم الله وجهه، فإن البغي مناف للعدالة قطعاً؛ ألا ترى كيف أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية وقتلها لخروجها عن أمره حتى تفي عن بغيها وغيها، وكل خارج عن أمره تعالى قد جعل حده القتل فهو فاسق قطعاً، كيف وهو لا يعلم مخالف في ذلك؟ بل لو خالف مخالف في ذلك لم يعبأ بخلافه، فإن ذلك مكابرة. (قسطاس).

(٢) وأما التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله #: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» فقد ذكرناه في شرح التنقيح. (سعد). قال في التلويح شرح التنقيح ما لفظه: قوله: قال #: «خير القرون ...» الحديث. فإن قيل: وقد قال #: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» فكيف التوفيق؟ قلنا: الخيرية تختلف بالاعتبارات والإضافات، فالقرون السابقة خير بنيل شرف قرب العهد بالنبي # ولزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصي ونحو ذلك على ما أشار إليه قوله #: «ثم يفشو الكذب»، وأما باعتبار كثرة الثواب ونيل الدرجات في الآخرة فلا يدرى أن الأول خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الآخر لإيمانه بالغيب طوعاً ورغبة مع انقضاء زمن مشاهدة آثار الوحي وظهور المعجزات، وبالتزامه طريق السنة مع فساد الزمان. اهـ ولمولانا بدر الدين زيد بن محمد قدس سره رسالة تتضمن الجمع والرد على ما ذكره سعد الدين.

(٣) وقد أخرج مسلم في استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء حديث أبي هريرة، وفيه: «ولتصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول: يا رب، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟». وفي رواية عنه: «ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً». (من خط السيد العلامة عبدالقادر بن أحمد).


[١] في الذين يردون الحوض فيحلؤون عنه فيقول: أصحابي أصحابي. اهـ حلأت الإبل عن الماء بحاء مهملة بعدها لام مشددة ثم همزة ثم تاء مثناة: إذا منعتها الورد. (ح).