[فصل: في شروط العمل بأخبار الآحاد]
  وإن لم ينكره بل قال: لا أدري أرويته أم لا فالأكثر على أنه يعمل به، وقد احتج به من أهل الحديث مسلم في صحيحه، خلافاً للكرخي من الحنفية(١) وإحدى الروايتين عن ابن حنبل، وهذا معنى قوله: (نسيانُ الأصل روايةَ الفرع بلا تكذيب(٢) غيرُ قادح) فالأصل الشيخ، والفرع الراوي عن الشيخ، وقوله: «بلا تكذيب» يعني من الأصل، قيد يتبين به القسمان: التكذيب من الشيخ، وعدمه، وقد علمت حكمهما.
  وقوله: «غير قادح» يعني في ذلك الحديث فيعمل به على المختار، وذلك لأن الراوي عدل غير مكذب فوجب العمل بروايته، وغاية عدم تذكر الأصل لما رواه أن يكون (كموته وجنونه).
  قالوا: لو جاز في الرواية لجاز مثله في الشهادة، واللازم باطل؛ للإجماع على أنها لا تقبل شهادة الفرع مع نسيان الأصل.
  (و) الجواب: أنه (لا يلزم) أن يقبل (في الشهادة) ما يقبل في الرواية (لأن بابها أضيق(٣)) من باب الرواية؛ ولذلك اشترط فيها الذكورة والعدد وعدم العنعنة والحجاب، ولفظ أشهد دون أعلم، ولم يُشْتَرط شيء من ذلك في الرواية.
(١) في غاية الوصول: خلافاً للكرخي وغيره من الحنفية.
(٢) في جمع الجوامع ما لفظه: المختار وفاقاً للسمعاني وخلافاً للمتأخرين أن تكذيب الأصل الفرع لا يسقط المروي، ومن ثمة لو اجتمعا في شهادة لم ترد، وإن شك أو ظن والفرع العدل جازم فأولى بالقبول، وعليه الأكثر. اهـ. قال أبو زرعة في شرحه عليه ما لفظه: إذا كذب الأصل الفرع وقال: لم أحدثك بهذا أو ليس هذا من حديثي فهل يسقط ذلك المروي؟ فيه قولان: أحدهما: نعم، والثاني: لا، وهو الذي اختاره المصنف تبعاً لابن السمعاني، وجزم به الماوردي والروياني في الأقضية، وقالا: لا يقدح ذلك في صحة الحديث، إلا أنه لا يجوز للفرع أن يرويه عن الأصل. ومما استدل به على عدم إسقاط المروي أن ذلك لا يقدح في الراوي؛ ولهذا لو اجتمعا على شهادة - أي: الفرع والأصل - لم ترد، ومقتضى كلام المصنف الاتفاق على هذا، لكن قال الصفي الهندي: لا يصير واحد منهما بعينه مجروحاً بذلك وإن كان لا بد من جرح أحدهما لا بعينه كالبينتين المتكاذبتين. قال: ويظهر فائدته في قبول رواية كل منهما وشهادته إذا انفرد، وعدم قبول شهادته وروايته مهما اجتمعا ولو كان في غير ذلك الحديث.
(٣) فإن قيل: ينبغي أن يكون الأمر بالعكس؛ لأنه يثبت بالرواية حكم كلي يعم المكلفين إلى يوم القيامة، وبالشهادة قضية جزئية. قلنا: نعم، إلا أن الرواية أبعد عن التهمة؛ فلذا كانت الشهادة أجدر بالاحتياط. (سعد).