هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 405 - الجزء 2

  الاجتهاد ما يقتضي ذلك التأويل علمنا أنه علم بالضرورة قصد النبي ÷ أو اطلع على نص جلي لا مساغ للاجتهاد فيه، ولا يجوز أن نجوز عليه كون تأويله عن ظاهر محتمل؛ لأن الظاهر من دينه يمنع من أن لا ينقل الحديث المحتمل؛ لأنه لا يأمن أن يكون اجتهاد غيره فيه خلاف اجتهاده.

  وهذا الاستدلال واهٍ؛ لما عرفت من الاحتمالات، ولو سلم لزم مثله في أكابر التابعين⁣(⁣١) والفقهاء، ولا قائل به⁣(⁣٢).

  (و) إذا روى الصحابي حديثاً مجملاً لا ظاهر له وحمله على وجه من الوجوه المحتملة⁣(⁣٣) فنقول: (الظاهر حمله للمجمل على أحد محمليه لقرينة) معينة له⁣(⁣٤).

  قال بعض الأصوليين: ولا نعرف خلافاً في وجوب حمل الخبر المجمل على ما حمله عليه الراوي؛ وذلك لأنه ÷ لا ينطق بالمجمل ويخليه عن البيان بقول أو فعل، والصحابي المشاهد أعرف بذلك⁣(⁣٥) من غيره، فوجب الحمل عليه، اللهم إلا أن يظهر للمجتهد وجه راجح يوجب تعيين غير ذلك الاحتمال فإنه يجب عليه اتباعه.


(قوله): «عن ظاهر» أي: لا عن نص جلي.

(قوله): «لما عرفت من الاحتمالات» يعني الثلاثة المتقدمة المتردد حاله بينها كما عرفت، لكن قولهم: لأن الظاهر من دينه ينفي بعض تلك الاحتمالات.

(قوله): «قال بعض الأصوليين» صرح بنسبته إلى هذا البعض لأنه حكى في الفصول الخلاف فيه.


(١) يقال: الفرق بين الصحابي والتابعي ظاهر إذا سمع ما سمع مشافهة فهو أعرف بمقصد النبي ÷ ومراده، بخلاف التابعي، وإذ لا يأمن أن يرويه الصحابي للتابعي بالمعنى فتأمل، وستأتي قريباً إشارة إليه فيما حمل عليه المجمل.

(٢) قد نقل الخلاف في البحر المحيط للزركشي عن إمام الحرمين.

(٣) كالقرء يحمله على أحد محمليه. (عضد).

(٤) فلو لم يعلم إرادة الرسول ÷ لذلك المعنى لامتنع حمله⁣[⁣١] عليه. (غاية الوصول).

(٥) في جمع الجوامع وشرحه للمحلي ما لفظه: وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي حيث قال: فقد قيل: يقبل، وعندي فيه نظر؛ لاحتمال أن يكون حمله عليه لموافقة رأيه لا لقرينة.


[١] في المطبوع: لامتنع عمله عليه. والمثبت من غاية الوصول.