هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 438 - الجزء 2

  والحق أن العلم تابع للمعلوم لا علة موجبة له، (و) حينئذ (لا امتناع مع تبعية العلم) فإن قيل: كيف يجوز أن يكون علمه الأزلي تابعاً لما هو متأخر عنه فإنه يستلزم الدور⁣(⁣١)؟

  فالجواب: أنا لا نعني بالتابع هنا المتأخر عن الشيء زماناً أو المستفاد منه حتى يلزم تأخره عنه زماناً أو ذاتاً فيلزم الدور، بل نريد أن العلم والمعلوم توازنا وتطابقا، والأصل⁣(⁣٢) في هذا التوازن والتطابق هو المعلوم؛ لأن العلم حكاية عنه ومثال له،


(قوله): «والحق أن علمه تابع للمعلوم» فلا يكون علة.

(قوله): «لا علة موجبة له» تحقيق الكلام يؤخذ من شرح المواقف وشرح التجريد في علم الكلام إن شاء الله تعالى، وقد استوفى المؤلف # ملخص كلامهما، فلا زيادة على ما ذكره.

(قوله): «فإنه يستلزم الدور» فيتوقف علمه الأزلي على المعلوم لكونه تابعاً له، والمعلوم من حيث هو معلوم لا يكون إلا بعد تعلق العلم به.

(قوله): «حتى يلزم تأخره عنه زماناً» في الأول، أعني إذا أريد بالتابع المتأخر زماناً، وقوله: «أو ذاتاً» في الثاني، أعني إذا أريد بالتابع المستفاد من الشيء، والتقدم الذاتي كتقدم العلة على المعلول، وتحقيق أقسام التقدم من الزماني والذاتي والرتبي وغيرها يؤخذ من شرح المواقف.

(قوله): «والأصل في هذا التوازن والتطابق هو المعلوم» فيكون هذا معنى تبعية العلم للمعلوم.


(١) كونه أزلياً يقتضي أن يتقدم، وكونه تابعاً للمعلوم يقتضي أن يتأخر.

(٢) قال المحقق الطوسي في بيان هذا: يعنون به كون العلم والمعلوم متطابقين على وجه إذا تصورهما العقل حكم بأن الأصل في هيئة التطابق هو ما عليه المعلوم وكأنه محكي عنه، وما عليه العلم فرع عليه وكأنه حكاية عنه، وعلى هذا الوجه يجوز تأخر المعلوم عن العلم؛ فإنه لا مانع في العقل عن كون الحكاية متقدمة في الزمان على المحكي عنه؛ ولذلك يحكمون بكون العلم الأزلي تابعاً للمعلوم الحادث. ثم قال: واعلم أن التحقيق ينافي ذلك؛ فإن في ذلك أن المتبوع يجب أن يكون له تقدم ما لا من جنس التقدم بالشرف أو بالوضع فإنهما غير معقولين هنا، بل تقدم إما بالذات أو بالطبع أو بالزمان، وجميع ذلك ينافي تأخر المتبوع عن التابع بالزمان. لا يقال: العلة الغائية متأخرة بالزمان مع كونها متقدمة بالذات أو بالطبع؛ لأنا نقول: العلة الغائية بالحقيقة هي الماهية، وهي موجودة في ذهن الفاعل قبل وجود الفعل، وأما الوجود الذي يكون مع وجود الفعل أو بعده فليس بعلة، إنما هو غاية فقط معلول بالحقيقة، ولو سميت الغاية علة لكان مجازاً، ويكون المراد بالحقيقة ماهيتها لا غير، ثم إن العلم الأزلي والعلوم السابقة على الصور الموجودة في الأغيار التي يمثلون بها وإن لم تكن عللاً موجدة لتلك الصور فلا شك في أنها شرائط يحتاج إليها في حصول الصور، فلا بد من أن تكون متقدمة، والمتقدم لا يكون متأخراً من الجهة التي هو بها متقدم، فإذاً المعلوم بالمتبوعية والعلم بالمتبوعية أولى من الصور التي تكون متبوعة.