هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 437 - الجزء 2

  (و) ما ذكروه من لزوم كونه مغلوباً والكافر والعاصي غالبَين إنما يتم لو أراد إيقاعها منهم على أية حال طوعاً أو كرهاً، لكن المعلوم ضرورة أنه لم يرد إلا إيقاعها منهم باختيارهم وإرادتهم، وحينئذ (لا مغلوبية مع إرادتها باختيارهم) ورغبتهم، على أنه قد وقع الاتفاق بيننا وبينهم على أن الكفر والعصيان مسخط لله تعالى واقع على خلاف رضاه وإذا وقع خلاف رضاه، ووفق سخطه كثيراً كما قال تعالى في قوم نوح: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ٤٠}⁣[هود] ولا استبعاد فيه فلا استبعاد فيما ذهبنا إليه.

  نعم، لا يمكن أن يقع خلاف إرادته المقترنة بالأمر بالتكوين كما يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}⁣(⁣١) [يس]، وهو غير المتنازع فيه، وقولهم: إنه لا يصبر على ذلك رئيس قرية من عباده جوابه أنه لا يحسن من الرئيس أمر غير إنزال العقوبة بمن عصاه؛ إذ وزان ما نحن فيه أن يريد مثلاً دخول داره رغبة واختياراً لا كرهاً واضطراراً، بل لا يمكنه إلا ذلك⁣(⁣٢)؛ لأن دخولهم كرهاً واضطراراً خلاف مراده، والله تعالى قد أعد للعصاة من العقاب ما أعد.

  وما ذكروه من امتناع إيمان الكافر واستحالته بما يفضي إليه من المحال إنما يتم لو كان علمه تعالى سائقاً إلى متعلقه وموجباً له، لكنه غير صحيح؛ للاتفاق على أن أفعاله تعالى اختيارية، فلو كان الأمر على ما زعموه لكانت أفعاله تعالى غير اختيارية، وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون.


(قوله): «مع إرادتها» أي: الطاعات.

(قوله): «فيما ذهبنا إليه» من وقوع ما لا يريده تعالى.

(قوله): «إذ وزان ما نحن فيه ... إلخ» علة لقوله: لا يحسن، وضمير أن يريد للرئيس، وقوله: بل لا يمكنه مقابل لقوله: بل لا يحسن، وضمير لا يمكنه للرئيس.

(قوله): «إلا ذلك» أي: إنزال العقوبة؛ إذ لو أكرههم على الدخول انتفى الاختيار.

(قوله): «لكانت أفعاله تعالى غير اختيارية» لسبق علمه تعالى بها.


(١) لأن المراد إذا أراد شيئاً من أفعاله أو أراده جل وعلا إرادة مبتوتة أو على أية حال كما تقدم.

(٢) أي: حال إرادة الدخول رغبة واختياراً لا يمكنه إرادة غيره في تلك الحال؛ لتعذر إرادة الشيء وخلافه في حالة واحدة.