هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]

صفحة 440 - الجزء 2

  فكأنه أخذ المدية وأضجع ابنه وانتظر الأمر فلم يؤمر، بل جاءه الفداء مما كان يتوقعه من الأمر بالذبح، وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ١٠٦}⁣[الصافات] لا يمنع مما ذكرناه؛ لأن إضجاع ابنه وأخذ المدية مع غلبة الظن بأنه يؤمر بالذبح بلاء عظيم.

  (سلمنا فالأمر بالمقدمات) يعني سلمنا أن إبراهيم # قد أمر فلا نسلم أنه أمر بالذبح، بل أمر بمقدماته من الإضجاع وتحديد المدية ونحو ذلك والانتظار لما يترتب عليها من ذبح أو غيره، ومثل هذا الانتظار بلاء يحسن معه الفداء.

  (سلمنا) أنه وقع الأمر بالذبح لا بمقدماته فلا نسلم أنه غير مراد، بل هو مراد (ولكنه موسع نسخ⁣(⁣١)) بعد التمكن من فعله، وذلك جائز بالإجماع، والمانع من النسخ عندنا إنما هو عدم تمكن المكلف من فعل المنسوخ لا تعلق التكليف بمستقبل الأوقات كما يجي إن شاء الله تعالى.

  (وقيل بالرابع) وهو أن الأمر يتميز عن غيره بصفة هي كونه أمراً، والمؤثر⁣(⁣٢) فيها هو إرادة المأمور به، أما أن له بكونه أمراً صفة فهو قول الجماهير من المعتزلة⁣(⁣٣)؛


(قوله): «المدية» مثلثة الشفرة، جمعه مِدى ومُدى.


(١) وهذا هو الذي ينبغي الاعتماد عليه، والله أعلم، ويؤيده أنه لو ذبحه قبل وقت النسخ لكان ممتثلاً مثاباً على ذلك وممدوحاً، عليه وإلا لزم أن يكون الأمر إلغازاً وتعمية إذا لم تقم قرينة على عدم إرادة المأمور به.

(٢) أي: المؤثر في هذه الصفة هو المحدث للصيغة بواسطة إرادته للمأمور به، وتحقيق ذلك أنه حين أراد الفعل طلبه بإيجاد الصيغة الموضوعة للطلب، ولم يتصف بأنه طالب للفعل إلا بإرادته؛ إذ لو لم يرده لم يطلبه، فالمؤثر حينئذ في كون الصيغة⁣[⁣١] طلباً هو كونه مريداً للمطلوب بها. فإن قلت: إن الإرادة إنما تؤثر فيما تعلقت به، وهي إنما تعلقت بالمطلوب، فكيف أثرت في غيره وهو الطلب؟ قلت: التحقيق أن المؤثر في إيجاد الصيغة على صفة الطلبية هي القادرية ... إلخ. (من منهاج المهدي #).

(٣) قال الإمام المهدي #: وهذا هو المختار لأمرين: أحدهما: أن الواحد منا إذا قال: زيد في الدار لم يكن خبراً عن زيد بن خالد دون غيره من الزيدين إلا بإرادة المخبر كونه مخبراً عن فلان دون فلان، ومتعلق الإرادة لا يصح أن يكون مجرد اتحاد الحروف؛ إذ هو معها على سواء، ولا المخبر؛ إذ قد يخبر عما لا يصح إرادته كالماضي والباقي، ولا أمر خارج على الصيغة غير المخبر عنه؛ إذ لا تعلق لها به، فلم يبق إلا أنها متعلقة بإيجادها خبراً عن فلان دون فلان، وهو المراد بالصفة. الثاني: أن مثل هذه الصيغة قد يقع من الساهي والنائم ولا تكون خبراً ولا يستحق عليها مدحاً ولا ذماً، ويقع من اليقظان فيعكس الحكمان، فلا بد من أمر تميزت به عند صدورها عن اليقظان، وليس ذلك إلا مجرد الإرادة في اليقظان لما بينا.


[١] في المنهاج: في إيقاع الصيغة.