[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  وأيضاً لو كان كونه أمراً صفة لكانت إما لمجموع(١) حروف الصيغة، وهو محال؛ لأنه لا وجود لذلك المجموع(٢).
  وإما لآحادها، فيلزم أن يكون كل واحداً أمراً، وهو محال، وإن سلم أن للأمر بكونه أمراً حالاً وحكماً فلا نسلم أن المؤثر فيه إرادة المأمور به، لم لا يكون المؤثر إرادة كونه أمراً كما قالوه في الخبر؟ فإنهم صرحوا بأن للخبر بكونه خبراً حالاً، والمؤثر فيها إرادة كونه خبراً، وحاولوا أن يفرقوا بينهما فتعسفوا من الفروق ما لا تفيد ولا تجدي؛ لأنها كما قال فيها الإمام الحسن بن عزالدين #: لم تتجاوز دائرة
(قوله): «لكانت» أي: الصفة.
(قوله): «لا وجود لذلك المجموع» لتقضيه[١] وانعدامه، لكن هذا لازم في صفة كل مركب تتقضى أجزاؤه، وهو بحث مشهور، فتسليم المؤلف # مبني على التزام ذلك.
(قوله): «لم لا يكون المؤثر إرادة كونه أمراً» هذا الجواب إلزام للخصم[٢] بما يلتزمه، فلا ينافي ما هو المختار من أن الوضع كاف.
(قوله): «لأنها» أي: الفروق، قد ذكروا فرقين: أحدهما: أنا نعلم أن المخبر قد أراد كون الصيغة خبراً ولا نعلم ذلك في الأمر، ولا يلزمنا التسوية بين أقسام الكلام لاختلافها في الفائدة. الثاني: =
(١) قال الإمام المهدي # في بيان هذا: لو كانت صفة لكانت إما أن تكون ثابتة لكل واحد من أحد الحروف وهي واحدة لزم انقسامها ووجودها شيئاً فشيئاً على حد وجود الحروف، وهو محال، أو تثبت لحرف واحد لزم كونه خبراً مثلاً أو إنشاء، وهو باطل، أو تثبت لجملة الحروف عند النطق بآخر حرف لزم ثبوتها لحروف قد عدمت، وإن جعلناها صفات متعددة بتعدد الحروف لزم كون كل حرف خبراً. والجواب أن هذه الصفة تثبت عند النطق بآخر حرف من الخبر مثلاً، وتثبت له ولما سبق وإن كان معدوماً؛ لأن وجود ما لا يتم خبراً إلا به - وهو الحرف الأخير - كاف في لحوق الصفة به وبما سبق له وجود ثم عدم، فإذا عدم آخر حرف زالت تلك الصفة؛ لمصير المتصف بها كله معدوماً، والمعدوم لا تعاوره الصفات، وتجعل حالة ما لا يتم إلا به كحالة وجوده جميعاً؛ لأنه لوجود الآخر ثبت خبراً مثلاً، وكأن جميع أجزائه حال وجود الحرف الآخر في الوجود لما كان ما لا يتم إلا به حاصلاً في الوجود، ولا استحالة في ذلك، بخلاف حاله بعد عدم جميعه، وإنما خصصنا الحرف الأخير لأنها لو ثبتت لما قبله لزم تمام الخبرية وإن لم يوجد ما بعده، وهو باطل، فثبت أن الصفة لا تعم من الحروف المعدومة إلا ما قد ثبت له وجود مع وجود بعض ما لا يتم إلا به، وأدانا إلى ذلك وجوب ثبوت الصفة بالدلالة القاطعة واستحالة ثبوتها على غير الوجه الذي ذكرنا، ولا يلزم مما ذكرناه محال؛ إذ وجود ما لا يتم إلا به مع تقدم الوجود لما قد عدم من حروفه كوجود جميعه، ولا مانع من ذلك في بديهة العقل ولا دلالته.
(٢) لأنه لا يلفظ بالثاني إلا بعد انقضاء الأول.
[١] هذا إذا اعتبر الوجود الخارجي، أما لو اعتبر الوجود الذهني فيصح الوصف، وقد جاء وصفه كثيراً. (ح عن خط شيخه).
[٢] في المطبوع: ألزم الخصم. والمثبت من هامش (أ).