[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  (أو متواتر ولم يوجد) إذ لو وجد لم يختلف فيه؛ لأن العادة تقضي(١) بامتناع أن لا يطلع عليه من يبحث ويجتهد في الطلب.
  (قلنا) في الجواب: لم لا يجوز أن يعرف ذلك بدليل مركب من العقل والنقل، مثل قولنا: تارك المأمور به عاص(٢)، والعاصي مستحق للعقاب، فينتقل العقل من هاتين المقدمتين النقليتين إلى أن الأمر للوجوب(٣).
  سلمنا فلنقطع بأنه (ثبت بالاستقراء المتقدم(٤)) ذكره، وهو ما ثبت في الكتاب والسنة واستدلالات العلماء من كون الأوامر المطلقة للوجوب.
(قوله): «مركب من العقل والنقل» يقال: سيصرح المؤلف # بأن المقدمتين نقليتين، ولعله أراد بتركبه من العقل والنقل أن الاستنتاج واستخراج النتيجة منهما بواسطة انتقال العقل وحكمه بالاستنتاج، وقد أشار المؤلف # إلى ما ذكرنا بقوله: فينتقل العقل، لكن يكون التركب من العقل والنقل مجازاً فتأمل.
(قوله): «قلنا ثبت بالاستقراء المتقدم» يعني أنا نمنع الحصر في ثبوته بالنقل الآحادي أو المتواتر، بل نقول: ثبت بقسم آخر، وهو ثبوته بالاستقراء المتقدم ذكره.
(قوله): «وهو ما ثبت بالكتاب والسنة واستدلالات العلماء ... إلخ» قال السعد: لا خفاء في أن مرجع ذلك إلى النقل، إلا أنه لما لم يكن صريح النقل منع الحصر؛ فإن مرجع الاستدلال بالكتاب والسنة واستدلال العلماء إلى تتبع موارد استعمال اللفظ؛ إذ لا نص فيها على وضع اللفظ لمعناه.
(١) جواب عما يقال: إنه يجوز أن يكون متواتراً بالنسبة إلى طائفة مخصوصة، وحاصل الجواب المذكور أن ذلك خلاف الظاهر من المتواترات اللغوية؛ لأن سبب العلم مشترك بين الكل، والله أعلم.
(٢) لقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}[طه]، وقوله: والعاصي مستحق للعقاب لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...} إلخ [الجن: ٢٣].
(٣) عبارة الأسنوي في شرح المنهاج في تقرير هذا الجواب: أنا لا نسلم الحصر؛ لأنا قد نتعرفه بتركيب عقلي من مقدمات نقلية؛ لأن نفس المقدمتين نقلي، وتركيبهما تركيب عقلي علم من العلوم العقلية، وعبر الإمام في المحصول والمنتخب عن هذا بقوله: إنه يعرف بدليل مركب من العقل والنقل، فأورد عليه أن هذا الدليل نقل محض؛ لأن المقدمتين نقليتان، وحظ العقل إنما هو تفطنة[١] لاندراج الصغرى في الكبرى؛ فلذلك عدل صاحب الحاصل إلى ما تقدم، وتبعه عليه المصنف، يعني البيضاوي.
(٤) أما الاستقراء فإن كان مما يفيد القطع كرفع الفاعل على ما مر فذاك، وإن كان مفيداً للظن فيتوجه ما يتوجه في صورة نقل الآحاد. (ميرزاجان).
(*) قال الأسنوي: وعن هذا الدليل جواب ثالث لم يذكره المصنف البيضاوي ينفع في مواضع وهو التزام حصوله بالتواتر، ولا يلزم منه رفع الخلاف؛ لأنه قد يصل إلى بعضهم بكثرة المطالعة لأقضيتهم وتواريخهم، وغيره لم يشتغل بذلك فيقع الخلاف. اهـ بلفظه. ولا يخلو قول المصنف هنا: لأن العادة تقضي بامتناع ألا يطلع عليه ... إلخ عن إشارة إلى ضعف مثل هذا الجواب فتأمله. (للسيد زيد بن محمد |).
[١] في المطبوع: إنما هو لفظية. والمثبت من شرح الأسنوي.