هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الأوامر]

صفحة 469 - الجزء 2

  القول الأول قوله: (وهو بعد الحظر للوجوب⁣(⁣١)) وهو مذهب أئمتنا $ والمعتزلة وبعض الأشاعرة كالشيخ أبي إسحاق الشيرازي والسمعاني وابن الخطيب الرازي وأتباعه وبعض الفقهاء⁣(⁣٢) (لما تقدم) من الدليل الدال على أن الأمر يفيده.

  (وسبقه) أي: الحظر على الأمر (لا) يصلح معارضاً لما تقدم من الدليل حتى (يدفعه) لأن الوجوب والإباحة ينافيان التحريم، ومع ذلك لا يمتنع الانتقال من التحريم إلى الإباحة، فكذلك إلى الوجوب⁣(⁣٣).

  القول الثاني: أنه يكون بعد الحظر للإباحة⁣(⁣٤)، وهو قول جمهور الفقهاء، ورجحه ابن الحاجب، وحجتهم ما أفاده بقوله: (قيل: ورد للإباحة) بعد الحظر، فيكون تقدم الحظر قرينة تدل عليها، وذلك مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}⁣[المائدة: ٢]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}⁣[الجمعة: ١٠]،


(١) أو الاستئذان. (جمع). قال المحلي في شرحه بعد ذكر مثال الحظر: وأما بعد الاستئذان فكأن يقال لمن قال: أفعل كذا: افعله. اهـ قال ابن أبي شريف في حاشيته عليه: يمكن التمثيل له بما في صحيح مسلم: أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، فإنه بمعنى: صل فيها، وأما النهي بعد الاستئذان فلم يتعرض له المصنف ولا الشافعي، والقرائن ترشد إلى أن المراد الاستفهام عن الحكم الشرعي، والجواب بحسب ما يدل عليه السياق أو دليل من خارج، مما ورد للتحريم حديث المقداد: أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: لا، الحديث رواه مسلم، ومما ورد للكراهة حديث مسلم: أأصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا. وحديث أنس: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا، رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه، وقد وهم البرماوي فعد هذا مما ورد فيه النهي للتحريم تبعاً لقول شيخه الزركشي: إنه الظاهر. (ابن أبي شريف).

(٢) ونقله ابن برهان في الوجيز عن القاضي، والآمدي [عن المعتزلة]. (أسنوي).

(٣) وفيه نظر؛ لأن المنافاة بين الحظر والوجوب أشد من المنافاة بين الحظر والإباحة؛ لأن بين الحظر والإباحة مشتركاً وهو جواز الترك، ولا مشترك بين الوجوب والحظر سواه، وإذا كان كذلك فلا يلزم من جواز ذلك الانتقال جواز هذا الانتقال. (من شرح محمد بن محمد بن الإمام بالمدرسة الكاملية).

(٤) قال ابن أبي شريف في حاشية شرح المحلي على الجمع ما لفظه: حقيقة شرعية كما يشير إليه قوله: لغلبة استعماله فيها، فإن هذه الغلبة في عرف الشارع كما صرح به القائلون بالإباحة في استدلالهم قالوا: غلبت الإباحة في عرف الشرع فتقدم على الوجوب الذي عليه اللغة.