[الباب الثاني: في الأوامر والنواهي]
  {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}[البقرة: ٢٢٢]، ومثل ما روي عن بريدة الأسلمي ¥ قال: قال رسول الله ÷: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبذ في الأسقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً» رواه مسلم.
  (قلنا: و) قد ورد بعد الحظر (للوجوب) مثل قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ٥]، فإن القتال فرض كفاية(١) بعد أن كان حراماً، وقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}[الحج: ٢٩] بعد قوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ
(قوله): «ونهيتكم عن النبذ في الأسقاء ... إلخ» الذي سيأتي في النسخ وهو المذكور في مشارق الأنوار رواه عن مسلم: «ونهيتكم عن النبذ إلا في سقاء[١]، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً»، قال في شرح المشارق: عن النبذ أي عن إلقاء الماء في التمر ونحوه في الظرف إلا في سقاء أي إلا في قربة، إنما استثناها لأن السقاء يبرد الماء فلا يشتد ما يقع فيه اشتداده في الظروف.
(قوله): «ثم ليقضوا تفثهم بعد قوله: ولا تحلقوا رؤوسكم، ... إلخ» قلت: مثل هذا في شرح الفصول للشيخ العلامة ¦، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال؛ لأن قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}[الحج: ٢٩]، في سورة الحج وهي كما ذكره في الكشاف مكية ما خلا ست آيات ليس هذه الآية منها، فهي متقدمة على قوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]؛ لأن هذه في سورة البقرة، وهي متأخرة في النزول؛ لأنها مدنية، ويؤيد هذا أنه ذكر في الثمرات عن أبي جعفر أنه استدل على وجوب الحلق في حق المحصر بأنه كان واجباً قبل الإحصار بدلالة قوله تعالى في سورة الحج: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}، فلا يسقط ما وجب؛ لأن سائر المناسك إنما تسقط بالعجز، ولم يعجز المحصر عن الحلق، والأولى ما ذكره الدواري في شرح الجوهرة من أن المراد بالأمر الوارد بعد الحظر هو الأمر المستفاد من قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} حيث قال ما لفظه: وكذلك في قوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]؛ فإن مفهومه الأمر بالحلق بعد بلوغ الهدي، وذلك يفيد الوجوب. اهـ واعلم أن ما ذكره أصحابنا في هذه الآية مبني على وجوب الحلق على المحصر، قال في الثمرات: قال في شرح الإبانة: على المحصر أن يحلق عند أصحابنا وأحد قولي الشافعي قال في الروضة والغدير: وهو مذهب الهادي #، ومثله في شرح الآيات للنجري قال: حكاه أبو جعفر عن أصحابنا وأحد قولي الشافعي؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ لأنه نسك، ولا إحصار عنه، فيجب حينئذ. وجعله في البحر قولاً لمن أوجب الحلق والتقصير في الحج، وهم الناصر والمؤيد بالله وأحد قولي الشافعي ومالك، والمذكور للمذهب أن الحلق والتقصير في الحج تحليل محظور لا نسك واجب من غير فرق بين المحصر وغيره، فينظر ما الذي صرف الأمر المستفاد من قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ} عن الوجوب؟ وكذا قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا} مع تفسير قضاء التفث بالحلق والتقصير، والله أعلم.
(١) عبارة المحلي في شرح الجمع: إذ قتالهم المؤدي إلى قتلهم فرض كفاية.
[١] لكن لا يكون على هذا مما نحن فيه. (حسن بن يحيى عن خط العلامة السياغي).