هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الأوامر]

صفحة 473 - الجزء 2

  إذ لا يمكن دعوى عرف استعمال في هذه الصيغة حتى يغلب العرفُ الوضعَ، هذا تقرير مذهبه واحتجاجه، وهو احتجاج حسن لا يخفى ما فيه من التأييد للقول الأول والإبطال لحجة القول الثاني.

[الأمر المطلق هل يفيد التكرار]

  مسألة: اختلف في الأمر (المطلق) عما يقيد به من مرة أو تكرار أو علة أو غير ذلك هل يفيد تكراراً أو لا.

  (قيل:) هو موضوع⁣(⁣١) (للمرة) ولا يستفاد منه التكرار إلا بقرينة، وهذا رأي السيد أبي طالب وأبي علي الجبائي وأبي هاشم وأبي عبدالله البصري وكثير من الشافعية وقدماء الحنفية.

  (وقيل:) بل هو موضوع (للتكرار) ولا يحمل على المرة إلا بقرينة، وهذا رأي أبي إسحاق الإسفرايني وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، ومرادهم أنه يتكرر مدة العمر فيما يمكن ويعتاد؛ لتخرج أوقات ضروريات الإنسان واعتياداته.


(قوله): «إذ لا يمكن دعوى عرف استعمال» كما في الطرف الأول فإن عرف الاستعمال يدل على أن الأمر لرفع الذم كما عرفت.

(قوله): «حتى يغلب العرف الوضع» أي: وضع الصيغة عند الغزالي؛ لأن الصيغة عنده موضوعة للوجوب أو الندب.

(قوله): «لا يخفى ما فيه من التأكيد للقول الأول» لأن قوله: وإلا فكما كان مقتضاه أنه إذا لم يعلق بعلة فهو على ما كان عليه قبل الحظر وأنه لا يمتنع الانتقال من التحريم إلى الوجوب، وهو الذي كان عليه عند أهل القول الأول.

(قوله): «والإبطال لحجة القول الثاني» لأنه يقال: التعليق بالعلة الذي هو حجة القول الثاني قرينة صارفة عن موضوع الأمر، وهو الوجوب؛ لأن عرف الاستعمال مع التعليق يدل على أنه ليس إلا لرفع الذم، لا فيما لم يعلق بالعلة فإن الأمر يبقى على ما كان عليه قبل ورود الحظر لعدم عرف استعمال كما عرفت.

(قوله): «وقيل للتكرار» واختار هذا الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد #.


(١) تنبيه: مما يمكن أن يتفرع على هذا الخلاف فرعان: أحدهما: لو وكله بالبيع فقال: بع هذا بكذا فباعه فرد بعيب، أو قال: بعه بشرط الخيار ففعل ففسخ بالخيار، هل له البيع ثانياً؟ وفيه خلاف حكاه الرافعي قبيل حكم المبيع قبل القبض وبعده وفي الرهن، لكنه جزم في الوكالة بأنه ليس له البيع ثانياً. الثاني: إجابة المؤذن هل يختص بالمؤذن الأول حتى لو سمع مؤذناً ثانياً لا يستحب له إجابته؟ قد يقال: يتخرج ذلك على أن الأمر يقتضي التكرار، ومسألة تكرار الإجابة للأذان مختلف فيها بين العلماء، ولا نقل فيها في المذهب، قاله المصنف في شرح المختصر. (حاشية ابن أبي شريف).