هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[الباب الثالث: العموم والخصوص]

صفحة 624 - الجزء 2

  وقد أجيب بأن فائدته دفع⁣(⁣١) الوهم وقطع الاحتمال؛ لأن عموم خطاب الواحد للأمة ظاهر مختلف فيه لا قطعي متفق عليه.

  قالوا: قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}⁣[سبأ: ٢٨]، وقال ÷: «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود⁣(⁣٢) ..» الحديث، وذلك يدل على أن جميع الأحكام الخاصة والعامة عامة.

  قلنا: لا نسلم دلالتها على تعميم كل حكم لكل مكلف، فإن فساده ظاهر، بل معنى التعميم أنه بعث ليعرف كل أحد من الناس من مقيم ومسافر وحر وعبد وطاهر وحائض ما يختص به من الأحكام لا أن الكل للكل.

  قالوا: نحن نعلم قطعاً أن الصحابة كانوا يحكمون على الكل بما حكم به النبي


(١) في المطبوع: رفع.

(٢) استشكل بنوح # فإنه أغرق أهل الأرض بدعوته، ولولا أنه مبعوث إليهم لما وقع ذلك. وقد يجاب بمنع الملازمة، وثمة أجوبة أخرى ذكرتها في التوشيح. (من شرح مسلم للسيوطي). في المواهب اللدنية: وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم فأجيب، وهذا جواب حسن، لكنه لم ينقل أنه نبي في زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية - يعني خصوصية عموم الرسالة لنبينا ÷ - في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث في زمانه أو بعده نبي فينسخ بعض شريعته. اهـ وأقول: في الجواب الأخير أيضاً نظر، فإن حاصله أن الخصوصية ليس عموم الرسالة فقط، بل هو مع عدم تطرق النسخ إلى شريعته ÷، وهذا قد عد في بعض الأحاديث خصوصية على حيالها كما عد عموم الرسالة خصوصية على حيالها، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيئون» فختم النبيين به هو عين عدم تطرق النسخ إلى شريعته، وقد عد مستقلاً على وجه يمنع أن يكون جزاء بخصوصه، على أن هذا الحديث قد سبق للقسطلاني بهذا اللفظ، والله أعلم. (من أنظار المولى ختام المحققين زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم بن محمد قدس سره). هذا إن كان مراده أن الخصوصية المجموع، وإن كان مراده أنه ليس المراد بعموم الرسالة إلا بقاء الشريعة حتى لا يستشكل بنوح فيتجه عليه أيضاً ما ذكر اتجاهاً ظاهراً. اهـ منه، والله أعلم.