[تعريف العلم]
  ومدرك الجزئيات المادية هو القوى الجسمانية،
= وحفظها بخزانته، وإن لم تكن محسوسة ولا متعلقة بالمحسوسات فهي مرتسمة أيضاً في العاقلة، كالإمكان مثلاً فإنه معقول صرف، فإذا أدركنا إمكان زيد مثلاً وأشرنا إليه إشارة عقلية بهذا الإمكان كان جزئياً حقيقياً ومقولاً صرفاً لا مدركاً بالآلات المخصوصة بإدراك الجزئيات المحسوسة ومتعلقاتها، بل نقول: نحن نعلم بالضورة أنا ندرك أشياء ليست جسمانية أصلاً كالأمور العامة[١] فجزئياتها لا تدرك إلا بالعقل، وكذا خصوصيات المبادي كالعقول العشرة على اصطلاح الحكماء فإنها جزئيات مجردة، فإذا أدركت ارتسمت في النفس الناطقة لا في قواها المدركة أو الحافظة. هذا تلخيص ما ذكره بعض المحققين. إذا عرفت ذلك ظهر لك أن الجزئيات المجردة ليست هي المنتزعة عن المحسوسات، فإنها لا تكون إلا كلية؛ إذ لو كانت جزئية لكان ذلك لتشخصها[٢] بالأمور المحسوسة القابلة للانقسام، فلا يدركها العقل كما سيأتي بخلاف الجزئيات المجردة كما ذكرنا.
(قوله): «ومدرك الجزئيات» أي: وبناء على أن مدرك الجزئيات المادية، أي: المحسوسة أو المتعلقة بالمحسوسات. وإنما كان هذا التعريف مبنياً على ذلك لقوله: أو عنده، أي: عند العقل، فإن إدراكها لما كان بالقوى النفسانية كانت عند العقل للمجاورة، لا فيه؛ لعدم إدراكه لها عندهم، فلذا عدل المؤلف عن تعريف بعضهم للعلم بأنه الصورة الحاصلة في العقل، فإن هذا لا يشمل إدراك الجزئيات المادية عند من يقول بارتسام صورها في القوى والآلات دون نفس العقل. لكن يؤيد هذا ما ذكره بعض المحققين من أن القصد هاهنا بالعلم ما يكون للعقل بذاته، وهو الصور المعقولة، دون ما هو بواسطة آلته، وهو الصور المحسوسة؛ لما ستعلم من أن الفكر الكاسب إنما هو حركة النفس في معقولاتها، وأن الأمور المعقولة التي يكون ترتبها ذكراً ونظراً هي المعقولات، دون المحسوسات والمتخيلات والمتوهمات فلا بأس بخروجها عن تعريف العلم كما صرح به المحققون كصاحب الطوالع، فإنه جعل المنقسم إلى التصور والتصديق هو التعقل لا العلم بمعنى مطلق الإدراك الشامل للتعقل والإحساس وللتخيل والتوهم. وكلام المؤلف أيضاً لا يناسب التعميم[٣] لما نقله فيما يأتي عن المنطقيين من أن النظر ملاحظة المعقول ... إلخ، وكذا ما ذكره المؤلف عن الأصوليين من أن النظر الفكر، وهو انتقال النفس في المعاني، إن أريد بالمعاني هي المعقولات كما ذكره الشريف.
(قوله): «الجسمانية» يحتمل أن يريد بالقوى الجسمانية المشاعر العشر، أعني الحواس الخمس الظاهرة، والقوى الخمس الباطنة، وقد صرح بذلك الشريف في شرح المواقف، ويحتمل أن يريد بالقوى هي الباطنة فقط كما هو مقتضى ما نقلناه آنفاً عن بعض المحققين كما عرفت، وعلى الاحتمالين فقد جعلوا القوى الباطنة كلها مدركة للجزئيات، واعتمده المؤلف #، بناء منهم على أنها إما مدركة أو مكملة للإدراك الباطني، بأن تكون معينة في الإدراك، كما في الحس المشترك، فإنه آلة للنفس في إدراكها كما ستعرف ذلك، وكما في الحافظة فيما ذكرنا يستقيم التعميم فيما ذكره المؤلف من أن المدركات للجزئيات المادية هي القوى الجسمانية. واعلم أن كلام الحكماء في إثبات القوى الباطنة وتعددها مبني على اعتقاد كفري، وهو نفي القادر المختار تقدس وتعالى كما ذكره السيد المحقق؛ وذلك لأنهم لما اعتقدوا أن الواحد لا يصدر عنه =
[١] أقول: المراد بالأمور العامة الأمور التي هي مشتركة بين الواجب لذاته والممكن لذاته، وهي الوجود على ما سيأتي بيان ذلك، والوحدة؛ لأن لكل موجود هوية، وتلك الهوية هي وحدته، حتى إن الكثرة من حيث هي كثرة تعرض لها الوحدة فيقال: هذه كثرة واحدة. اهـ من شرح الملخص المنصص. (ح).
[٢] أي: اتصاف الأشياء المتنزعة لأجل تشخصها وقد فرضت انتزاعها عن المحسوسات الشخصيات، وحينئذ يصير المعنى المنتزع معنى كلياً، ألا ترى أنك إذا فرضت انتزاع معنى الإنسان من زيد وحده كلياً لا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، ولا يكون جزئياً من المشخصات هو معنى هذا، والله أعلم. (ح).
[٣] قد رجع القاضي في القولة الثانية إلى تقوية التعميم وتمامه. اهـ سيدي أحمد. (ح).
[*] - بل يناسبه، بمعنى أن المدرك للجزئيات حقيقة هو النفس، وإنما نسبة الإدراك إلى قواها كنسبة القطع إلى السكين، وسيصرح المحشي بهذا عند تعداده القوى الباطنة، وقد صرح المحقق جمال الدين في حواشي حاشية التهذيب للدواني أنه اتفق المحققون على أن مدرك الكليات والجزئيات هو النفس الناطقة، وأن نسبة الإدراك إلى قواها كنسبة القطع إلى السكين، وإنما الخلاف في ارتسام صور الجزئيات الجسمانية هل هو فيها أو في آلاتها، فليراجع فهو كلام حسن. (من خط سيدي القاسم بن الحسين |. ح).