[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  واسع العطاء تبارك وتعالى، رواه مسلم(١) وغيره من حديث أبي ذر: «يا عبادي (كلكم جائع إلا من أطعمته(٢)) فاستطعموني أطعمكم».
(قوله): «كلكم جائع إلا من أطعمته ... إلخ» الحديث ظاهر في الاستغراق؛ إذ من أطعمه الله هو الكل، وقد تأوله بعضهم بأن المراد بالجائع الهلوع، وهذا التأويل لا دليل عليه[١]. وقيل: المراد كلكم محتاجون غير مالكين للرزق وأنا مالك الرزق. وقيل: الرزق العام هو مقدار الضرورة لا الزائد عليه، فالمستثنى هو الزائد. وقيل: المراد بالإطعام بسط الرزق، والقسمة بين العباد في ذلك تتفاوت بحسب الحكمة.
(١) أورد عليه بعض شراح الأربعين النووية سؤالاً فقال: فإن قيل: إطعامه تعالى عام للجميع لقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦]، فما وجه الاستثناء؟ قلت: إطعامه عم نواله وإن كان عاماً للجميع لكنه ليس عاماً في كل وقت، والرزق المضمون أعني مقدار الضرورة عام لا الزائد عليه، فالمستثنى المأمور بالسؤال هو الإطعام في أي وقت سأل الجائع، وهذا الوقت غير معين فيعم كل وقت، أو المستثنى المأمور بالسؤال هو ذلك الزائد. وأجاب بعض الشارحين بأن المراد بالإطعام بسط الرزق والاختصاص بالبر ودفع الآفات والعاهات والبليات، كأنه قال: كلكم محتاجون إلى إنعامنا، لكن الإنعام أصناف وله أوصاف، والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا الحكمة والتدبير، فقد تقتضي الحكمة البالغة بسط الرزق للبعض في وقت وقبضه لبعض آخر أو لذلك البعض في وقت آخر، فالعموم بجنس الإطعام والرزق والمخصوص لنوعه.
(*) وفي حاشية ما لفظه: الحديث ظاهر في الاستغراق؛ إذ من أطعمه الله هو الكل من العباد، وقد تأوله بعض المحققين بأن المراد بالجائع الهلوع، ولكنه يقال: الحديث آحادي، ودعوى الاتفاق من علماء الأمصار ممنوعة؛ لذكر المخالف في المسألة. (منقولة). قيل: كونه آحادياً غير خارج؛ إذ يكفي الظن في مدلولات الألفاظ كما تقرر غير مرة.
(٢) أورده مسلم والترمذي في صحيحيهما، وأورده محيي السنة في باب الاستغفار في المصابيح. (جواهر).
(*) في الاستدلال بالحديث القدسي نظر؛ لأن الظاهر إذا حمل عليه لفظ الحديث كان من الاستثناء المستغرق الذي لا يجوز كما هو مقرر بين الأصوليين؛ لأنه تعالى مطعم الخلق أجمعين، وإنما المراد منه التمثيل، أي: كلكم هلوع إلا من أقنعته، فالكلام برمته تمثيل من تشبيه الحالة بالحالة، أي: كلكم يطلب الزيادة على ما قسم له من الرزق إلا من التزم تقوى الله ورضي بما قسم له. (شيخ لطف الله). وعن السيد الحسن الجلال ما لفظه: ظاهر الحديث مستغرق؛ إذ هو تعالى مطعم الكل، ولا يقال: كثير من يموت من الجوع؛ لأنا نقول: القضية فعلية لا دائمة.
[١] بل الظاهر أن الاستثناء من الأحوال، والمعنى كلكم ذو جوع، أي: كل واحد منكم واقع عليه ذلك في جميع الأحوال إلا حال شبع من أشبعته، هذا إن تكلفت لجعل الاستثناء متصلا كما زعم الزمخشري في: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}[هود: ٤٣]. (من نجاح الطالب).