[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]
  العقل هو الذي يحكم بتوقف وجود العلم على وجود الحياة.
  وأما الشرعي فكالطهارة للصلاة، فإن شرطية الطهارة للصلاة إنما يستفاد من جهة الشرع.
  وأما اللغوي فمثل: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} من قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ ...} الآية؛ لأن أهل اللغة وضعوا هذا التركيب ليُدَلّ به على أن ما دخلت عليه أداة الشرط هو الشرط، والمعلق به هو الجزاء، وقياس الشرط(١) اقتضاء صدر الكلام ليعلم نوعه من أول الأمر، كالاستفهام والقسم وغيرهما(٢)، ففي مثل الآية: المتقدمُ جزاءٌ معنى؛ إذ لا تنجيز فيه(٣) لا لفظاً وإلا لجاز جزمه في مثل: «أُكْرِمُك إن دخلت الدار»؛ ولهذا(٤) اختلف فيه(٥) واتفق على إطلاق الجزاء عليه.
  والمراد بالشرط فيما نحن فيه هو اللغوي، وهو تعليق أمر على أمر بـ «إن» أو إحدى أخواتها (وهذا) يعني اللغوي إنما (يستعمل في السبب) فإن دخول الدار في قولك: «إن دخلت الدار فأنت طالق» سبب للطلاق يستلزم وجوده وجود الطلاق(٦) (أو في شرط يشبهه(٧)) وذلك من حيث إن الشرط يستتبع وجود المشروط، وهو
(قوله): «جزاء معنى إذ لا تنجيز فيه» بل هو متوقف على الشرط؛ فلذا كان جزاء معنى.
(قوله): «في مثل أكرمك إن دخلت الدار» تمثيل لما هو جزاء معنى لعدم جزمه.
(قوله): «ولهذا اختلف فيه» أي: في المتقدم على الشرط، يعني لأجل أنه لا تنجيز فيه ولا جزم اختلف في كونه جزاء لفظياً، فعند البصريين ليس جزاء لفظياً، وعند الكوفيين والمبرد هو جزاء لفظي.
(١) في حاشية: أي: الضابط والقاعدة.
(٢) النهي والنفي.
(٣) يعني أنه لا ينجز عتقه بمجرد الأمر؛ لأنه جزاء معلق على علم الخير.
(٤) في حاشية: أي: لكونه جزاء في المعنى لا في اللفظ.
(٥) أي: اختلف البصرية والكوفية، فعند البصرية المقدم دليل الجزاء، والجزاء مقدر، والكوفية يقولون: هو الجزاء لفظاً، وأصل الجزاء التقدم، فإن تأخر وجزم فهو الجواب.
(٦) ولا يلزم من عدمه عدمه ولا وجوده، وهذه حقيقة السبب. (من شرح جحاف على الغاية).
(٧) ومما يذكر هاهنا أيضاً أن دخول الشرط على الشرط هل هو تعليق بالشرطين إذا اجتمعا سواء تقدم أولهما على ثانيهما أو لا، أو أن الشرط الثاني شرط في الشرط الأول كـ: إن دخلت إن كلمت، فيشترط وجود الكلام قبل الدخول؟ والأرجح في مذهب الشافعي هذا، وأفرد الشيخ تقي الدين السبكي المسألة بالتصنيف، ومثال المسألة قوله تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود: ٣٤]، المعنى: إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم. (من شرح ألفية البرماوي).