هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[فصل: في الطرق التي يعرف بها تخصيص العام]

صفحة 736 - الجزء 2

[التخصيص بالعقل]

  (مسألة:) الجمهور على أنه (يجوز التخصيص بالعقل) وخالف فيه شذوذ من المتكلمين⁣(⁣١)، وذلك (كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣(⁣٢) [الزمر: ٦٢])، فعموم لفظه متناول لكل شيء، فيتناول ذاته لكونه شيئاً من الأشياء مع أنه ليس خالقاً لها؛ لقضاء ضرورة العقل باستحالة كون القديم سبحانه⁣(⁣٣) مخلوقاً.

  وهذا الاحتجاج مبني على أن المتكلم يدخل في عموم كلامه، وهو الصحيح كما تقدم، وعلى أن الشيء يطلق على الله تعالى، وفيه للمتكلمين مذهبان: الصحيح إطلاقه عليه كقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}⁣[الأنعام: ١٩]. وكقوله تعالى: ({وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}⁣[آل عمران: ٩٧]) فإنه يتناول بعموم لفظه كل من هو إنسان حقيقة لغة، والعقل قاض بإخراج الصبي والمجنون⁣(⁣٤) لكن لا بالضرورة بل بالنظر، وذلك للدليل الدال على امتناع تكليفهما⁣(⁣٥).


(١) يريد من متكلمي المعتزلة، فأما أهل السنة فلم يذكرهم المصنف، وهم كافة لا يقولون: إن العقل يخصص؛ لأنه ليس بحجة عندهم. (قال في الأم: من خط الوالد يحيى بن حسين الشيباني ¦).

(*) وهو ظاهر كلام الشافعي ¥ في الرسالة، فمنهم من جعله خلافاً محققاً، ومنهم من جعله لفظياً؛ لأن خروج هذه الأمور من العموم لا نزاع فيه، إلا أنه لا يسمى تخصيصاً إلا ما كان باللفظ. (من شرح المنهاج لمحمد بن محمد مدرس الكاملية).

(٢) قوله: كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ... إلخ، ولقائل أن يقول على الأول: إنما يتأتى إذا قلنا بدخول المخاطب في خطابه وبإطلاق لفظ شيء على الباري تعالى، وعلى الثاني: الطفل إن كان لا يستطيع فهو خارج بقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وإلا فلا نسلم أن العقل يخرجه. (من شرح السبكي للمختصر).

(٣) في شرح العضد: القديم الواجب. وإنما وصف القديم بالواجب ليكون الخروج جلياً ثابتاً من جهتي القدم والوجوب بحيث لا يتصور فيه نزاع، بخلاف ما إذا وصف بالقديم فقط فإن الحكماء قالوا بمخلوقية العقول مع أنها قديمة وليست واجبة لذاتها عندهم. (سعد، وعلوي).

(٤) والدليل السمعي وهو قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} مظاهر له. اهـ قال السبكي: والطفل إن كان ... إلخ ما مر.

(٥) وهو عدم الفهم الذي هو شرط التكليف.